معرض الكتاب..من جَا ما أبْطَا

قبل فترة وجيزة استطاعتْ وزارة الثقافة والإعلام جمع أهل الأدب في المملكة، وسابق بعضُنا جهاز الوزارة في إصدار بيان الأدباء بحثا عن شرعية إرادتهم في إيصال المطالب، غير أن رئاسة المؤتمر من قبل وكالة الوزارة للشؤون الثقافية سبقتهم بإصدار بيان شامل باسمهم حوى المطالب التي جمعتها منهم، والمهم أن هذه المطالب وصلتْ بشكل أو بآخر. واليوم يجتمع أكثرهم من كل أطياف الثقافة على هامش معرض الكتاب، تلكم التظاهرة التي شعرنا معها بالأمن النفسي الثقافي اللائق ببلد كان يجب أن يكون منارة الثقافة العربية والإسلامية منذ أزمنة، غير أن من جاء ولو متأخرا ما أبطأ، وهذا ما شعرتُ به هناك من حوارات المثقفين على منابرهم وفي جلساتهم الجانبية التي يرون فيها جدوى كاملة في ذاتها.. وكان ضمن البرنامج لقاء مع وزير الثقافة والإعلام ليل الثلاثاء يطرح فيه رؤية الوزارة لمستقبل المشهد الثقافي واستراتيجيتها المستقبلية، لكن ظروف الوزير أخّرت اللقاء إلى مساء الأربعاء، ونظرا إلى ما تعرفونه من ثراء الرحلات على الخطوط السعودية ودقتها وخصوصا إلى مطارات ما قد يسمى المناطق النائية (شمالا وجنوبا) فقد اضطرّ كثير منهم إلى السفر على الرحلة المقررة له من قبل دون أن يستطيع التأجيل، مما جعلني أحاول إيصال مداخلتي عبر هذه المقالة علها تصل، فالمهم الوصول – كما اعتدنا – وأما الأخذ بعين الاعتبار فهذا أمر نعرف ظروفه وخلفياته…

وسأبدأ بالقضية التي أكاد أجزمُ أنني لو كنتُ صحيفةً لصرختُ كلما جثمتْ على صدري وهي: قضية الأندية الأدبية والتي أسماها بعض الخارجين على المشهد ذات يوم (الأبدية).

بدايتي بها هو السؤال: ما ضرورة استمرار هذه الأندية التي نشأتْ ذات زمن باسم إدارة حكومية كأية إدارة تقدّمُ خدمتها، ثم استطاعت الوزارة التجاوب مع نداءات التطوير، فاستبدلتْ مجالس الإدارات من رواد الأدب في المملكة بمجموعات من الطامحين إلى تجديد المشهد الثقافي بما يتوازى مع السرعة التغيّريّة العالمية والحاجات الثقافية على المستوى المحلي، فوقع كثير من هذه المجموعات في نفس الأزمة من الانقسامات وتشتت الآراء غير الإيجابية، مما زاد الأندية الأدبية نخبويّة رغم المحاولات الرائعة لبعض الأندية. ولقد كانتْ مداخلتي تحوي سؤالا أكبر وهو: حتى متى هذا الإقصاء للثقافة الشعبية التي تكتظّ بها الأرض، ولماذا تتزعّمُ الوزارة هذا التباعد الذي يرسخ أن هناك ثقافة شعبٍ وأخرى للنخبة بإصرارها على استقلالية جهة تسمى (أندية أدبية ثقافية) عن الأخرى (جمعية الثقافة والفنون)، والكل يعلم مأزق المصطلح في تعريف (الثقافة).

هذا جانب من جوانب مأزق الثقافة، والجانب الآخر هو: تركز هذه الأندية في مقارّ المناطق وكأن المحافظات ليستْ هي مخزن الإبداع والثقافة الشعبية والنخبوية.. فما الذي يعيقُ الوزارة من أن تريح جهازها وتطلق العمل الثقافي باتخاذ قرار جذري سوف يُتَّخذُ ذات يوم وهو: استبدال الأندية بفكرة (المراكز الثقافية) ولكنْ (في كل المناطق والمحافظات) مع توحيد مرجعيتها في جهاز الوزارة بحيث نستغني عن القناتين المنفصلتين (الأندية – الجمعية) .. ولنا أن نتخيل هذه المراكز وهي تتفاعل في المحافظات دون ادّعاءات الإقصائية المناطقية والشللية، وأن نتصور مدى اتساع الخيارات على مستوى الوطن التي ستكون نتاجا لهذه الشمولية. وأستثني من مشكلة تركُّز الأندية وفروع جمعية الثقافة في مقارّ المناطق منطقة (مكة المكرمة) التي فرضتْ ظروف حضاريّتها التاريخية وسبق أهلها إلى العمل الثقافي على غيرها من المناطق أن تستقل كل محافظة من محافظاتها بناد أدبي..

وليست الأندية هي الهم الوحيد الذي يشغل الساحة، إذ إن عدم وجود دور نشر قادرة على استقطاب الكاتب الوطني وخدمة الكتاب نشرا وتوزيعا بما في ذلك إيصال هذا الكتاب إلى الآخر يعد عائقا رئيسا في تعطيل وصول الكتاب المحلي إلى قرائه هنا وهناك. ومع فرحتنا بهذا السقف العالي من الحرية في معرض الكتاب هذا العام، إلا أن بقاء المجتمع مستهلكا للكتاب لا يختلف عن مشكلتنا الاجتماعية الكبرى كمجتمع استهلاكي يستورد دون أن يصدّر، فرائع أن نجد كثيرا من الدور العربية التي كنا نذهب إليها ونهرّبُ منها الكتاب، نجدها تعرض بضاعتها بيننا هنا، وليس جميلا ألا نجد دورنا تقوم بنفس الدور لدى الآخر، مع العلم أن هذه الدور الأجنبية تروّج كتبنا الممنوعة محليا، وهذا غاية في التناقض، فكيف تمنع كتابا من الطباعة والتسويق الداخلي وتسمح لدور النشر الخارجية أن تتكسب من ورائه مغفلةً حق الكاتب ومتاجرة باسمه الذي منع في نفس مكانه؟ فلم لا يكون للوزارة دور في دعم الناشر محليا ودوليا ماديا ومعنويا بتبني آلية تسهم في نشر وإيصال الثقافة المحلية؟ ويمكن أن تستفيد الوزارة داخليا من طاقات المراكز المقترحة في تسيير الكتاب وتسهيل وصوله إلى القارئ في مختلف محافظات المملكة سواء بالمعارض أو تسيير الوسائل المتنقلة، فالآتون إلى معرض الرياض على كثرتهم هم قلة من المهتمين باقتناء الكتاب على مستوى الوطن.. >

شاهد أيضاً

مجلس الشورى يعقد جلسته العادية الخامسة من أعمال السنة الثانية للدورة التاسعة

صحيفة عسير ــ واس عقد مجلس الشورى اليوم الاثنين، جلسته العادية الخامسة من أعمال السنة …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com