أماّ بعد:
أيها العرب، اسمعُوا وعُوا.. مَنْ تدَكْتَرَ فقدْ فات.. ومنْ تظاهرَ فهو مات.. ومنْ دَمَقْرَطَتْهُ الأحداثُ فهو آت.. ليلٌ داج.. وصحارى جديدةٌ ذاتُ أبراج..
أعرابٌ يتطاولون في البُنيان..
وزحامٌ من (الإسكندريّة) إلى (أسوان)..
ورؤًى للنّبِيّ تداعبُ (الإخوان)..
وعودةٌ إلى الخلافة في (القيروان)..
وظفائرُ تنتخي بالدين في (تطوان)..
وأنينٌ في الشامِ على بقايا بني (مروان)..
ودُمًى تبحثُ في ربيعنا عن إنسان..
وملياراتٌ تهربُ من أوكارها إلى (إفيان)..
أيها العرب:
لا تنسوا أنّ زمنكم كله فصول، وأنّ أولَ عربيّ – بل ومصريّ منذُ الفراعنة – حكمَ (مصرَ) في تاريخها هو جمال عبدالناصر، وأن أول عربيّ حكم الشام -بلا تبعية أخرى- هو معاوية بن أبي سفيان، وأن عقبة بن نافع كان ذا (القيروان) وما بعدها دون الرومان..
عليكم أيها العربُ أنْ تدركوا بأن (الديمقراطيّة) خاضعةٌ للبيئة، وأن تعلموا أنّ العربيّ قد لا يفقهها ببساطة، فمشكلته في رؤيته بأنه الوحيدُ الصادقُ في الحياة، وأنه -وحده- منْ يملكُ حقّ المصداقية في ما يراه. لقد اعتادَ على أنهُ ملكُ الدنيا وبانيها ومالكها، وخليفةُ اللهِ الوحيدُ المؤتمنُ في أرضه!
وإلى أهلنا في كنانة الله: قدرُ (مصر) أن تكون منطلقا للقوميّة العربية التي قادتْ كلّ ثورات التحرّر العربي، والتي أحالتْها ثقافة الهيمنة الراسخة في جنسنا العربيّ إلى مفهوم (الخلافة) التي لا يجوزُ عليها النّقصُ من قبلُ ومنْ بعد.. وقدرُها -اليوم- أنْ تكونَ أولَ تجربة عربيّةٍ ديموقراطية حقيقيّة حرّة تختارُ رئيسا مصريا عربيا عليهِ أنْ يدركَ أنّ الحاكميّةَ لشعبه بكلّ أطيافهِ وطوائفه (منذُ الفراعنة حتى اليوم)، كما أنّ منْ أقدارها: أنها أولُ من جرّبَ مفهوم (الاشتراكية) في عالمنا العربي بحثا عن العدالة الاجتماعية والتي ثبت عدمُ جدواها، وأن الحرّيّة ليستْ بالتنظير.. سننتظرُ ماذا سنراهُ هناك، وهل تصلحُ ديمقراطية أتتْ من بيئةٍ باردةٍ إلى أقاليمنا الساخنة؟ أمْ أنّنا نحتاج إلى مصطلحٍ آخر لبلادنا العربية على غرار مملكة النّحل التي نطلقُ على ملكتها -في إقليمنا تهامة-: (البِكْر)!أماّ في العراق والشام فلكم الحديثُ دون حرج. لمْ نزل ننتظرُ حتى اليوم صحة نظريّة الحجاج عن العراق وعن إمكانية (دمَقْرطَةِ) الحياة هناك من عدمه، وستثبتُ لنا الشهورُ القليلة هذا.. ولكم في الشامِ عبرةٌ يا أولي الألباب، ففي عاصمة بني أمية لم يزلْ وليّ العهدِ يرى أنّ حماية الشامِ وعروبته لهُ وحدهُ خالصةً منْ كلّ شريك، وأنّ شعبهُ ليس سوى مجموعات من الإرهابيين المخلّين بأمن إمبراطورية الخلافة!
وفي بلدان الربيع من مغربنا العربيّ، نرى اليوم الصراع الجليّ الأكثرَ قربا ووعيا منّا بمفهوم (الدّمَقْرَطَة) بين السلفية الشكليّة (أو ما أسماه الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: الفقه البدوي) والأخرى الفقهية المصاحبة للزمان والمكان..
أيها العرب دكتاتوريّين أعرابا ومنتخبين ديموقراطيا:
أمامكم شيءٌ واحدٌ تستطيعون به تحريك الجماهير الغاضبة منْ عيشها وحرّيّاتها أمام كرامتها وهو: ذلكم الجسمُ الغريبُ الذي زُرِعَ في هذه الأرض لضمان عدمِ وحدتها ولو بعد ألفِ عام وهو: إسرائيل التّشكيليّة من أعراقٍ لا تمتّ إلى الأرض ولا إلى صادقِ معتقداتها بصلة سوى لُعْبَةٍ تاريخية قالوا عنها (إسرائيل)، بينما جوهرُ إسرائيل الحقيقي : أمّةٌ بادتْ ثمّ سادتْ في أرض العروبة بمفاهيم أخرى، لكنْ: كان على العالم المتحضّر هناك أنْ يتخلّصَ من مدّعيهم بادّعاء أرضِ الميعاد في ذلكم المكان المفصليّ الاستراتيجيّ الذي قد يريحه من المدّ العربيّ الإسلامويّ الحتميّ! وسنرى – ذات يوم – تلكم المسيرات الشعبية والتظاهرات التي تستنطقُ وتنيرُ لنا مدى صحة تأييد (بريطانيا) وخليفتها في الأرض (أمريكا) للديموقراطيات الشعبية التي قد تصرخُ في المرحلة الثانية من ربيعها ضدّ وجود هذا الكيان الغريب، وهذا سيكون بعد انتهاء ربيعنا العربيّ من (دمَقْرَطَتِه)!
وأما بعد:
فلكمْ في التاريخِ حياةٌ يا أولي التاريخ، وخلفاء ربيع العرب، واعلموا أنّ الدّعايات الانتخابية هنا تخضعُ لبعدِنا الدينيّ الغيبيّ كما خضعتْ له دكتاتورياتنا، ولديهم هناك تخضعُ للبعدِ الميكافللّيّ السياسيّ المباشر المُعَقْلَن، ولكمْ أنْ تكونوا حريصين على ثوراتكم التي نجلّها بحسب أهدافها، ونخافُ عليها بحسبِ نتائجها، وستبدي لكم الأيام ما كنتم تجهلونه، وأسألُ الله ألاّ يستحيلَ ربيعُكم خريفا، وأن يكونَ فيه ذكْرى لمنْ يدّكِر..>
شاهد أيضاً
أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري
صحيفة عسير – مها القحطاني : استقبل صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن …