عربي في دبيّ

لمْ تكنْ مشكلتي منذ وطأتْ قدماي مطار دبي هي التفكير في مفهوم التطاول في البنيان، ولمْ أعانِ كثيرا ـ كما توقّعت ـ من شخوص عينَيّ نحو الأعلى تماشيا مع تلكم الأبراج المبهرة.. لقد كانت قضيتي مرتكزةً مع القدمين! فهما طينيّتان لم تتعودا على تطاول البنيان حتى الآن، وأصيبتا بحالة من الارتعاش بحثا عن تربة.. نُقلتُ من المطار حتى أودِعتُ ـ بكل حفاوة ـ في الطابق الثاني عشر من أحد هذه الأبراج.. أصبتُ بحالة من الضيق (كأنما أصَّعّدُ إلى السماء) جعلتني أخرج ليلا متلفتا بينها علِّي أعثرُ على تراب.. على شيء من ذاكرة المكان.. عن وجوهٍ أعرفها بسيماها.. لا شيء سوى أبراج مصمتة! يا الله! كم هي تجربة مثيرة أن تسير وحيدا في مدينة من الأبراج العالية التي تجهل ما بداخلها ولا تراه! لكنّ قدميّ صمدتا للبحث عن تراب، فالطين وحده هو ما يمكنني الحديث معه، خصوصا أن لغتي لم تزل حتى اليوم عربية.. ساقني قدري المُعَلْمنُ إلى مدينة إعلامية مصمتة صامتة المظهر أيضا غير أن نطقها صار إلى العالم الواسع لا إلى التراب! فجأةً وجدتُ داخلها حفنةً من تراب هذه الجزيرة يُطلَقُ عليها (سليمان الهتلان).. ولا أدري كيف ولمَ أصرَّ على كِسوتي عقالا وغترةً وطاقيّة؟ ويظهرُ أنه لم يزلْ يحملُ ثقافة الطين هنا، فقد كان الطارشُ نحو الشام يحظى من مستقبله بكسوة لمحاولة تغيير أو تحسين شكل هذا الطارش العتيييد.. وسألني عن أخبار الديرة ولكنْ عبر قناةٍ جديدة طالما تساءلت في داخلي عنها وعن تسميتها (حرة) ربما لجهلي بما تحويه كل الأبراج العربية المصمتة.

وما كان لتراب المكان أن يغيب وهو يرى معاناتي في البحث عنه وعن مصيره في زمن العولمة المتسارع، فانهمر علينا هذه المرة من الأعلى.. تربة المكان خرجتْ من بين تلكم الأبراج متشكلةً في شاعرها الرائع (إبراهيم محمد إبراهيم)، وفي صوت الشاعر والإعلامي (طلال الصابري).

وبين خِلْعَةِ (سليمان) ولحافي ـ أو بُردي اليماني وغربته هناك ـ وشاعر المكان (إبراهيم محمد) كانت لي بين الأبراج ساعتان باللغة العربية.. كانتْ عروبتهما لي سكنا لثلاثة أيام قضيتها في صراع بين قدمين يبحثان عن تربة وعينين تجذبهما الأبراج المعدنية عاليا، وورد إبراهيم الشعري اليوم يقول:

منْ لنا غيرُكَ

يُدنينا من البابِ..

أرِحْنا

قبلَ أنْ تستيقِظَ الشّمْسُ

ونعرى تحتها..

يا أيّها الحارِسُ

لسنا لعبةً بينَ يديكْ >