أحمد عسيري ودلالة المدح

مادحا كنت أم قادحا، فلن تخرج الحياة عن هذين المحورين، على اعتبارهما عنصرين يكوّنان ما يمكن أن نطلق عليه: (الوصف)، وهو الطرف المعادل للحياة إذ إن نبض الحياة يعادل وصفها. ويمكن لنا شعرا أن ندخل ضمن الوصف كلا من الأغراض التالية: الغزل – الرثاء – المديح – الهجاء. غير أن مأزق المشاعر الإنسانيّة يقف مُتعبا أمام الغرض من الوصف (الذي نقصد به المدح) فإذا أحببتَ حاكما – ولو كان الفاروق- ووصفته فلا بدّ من حشْركَ في زمرة المادحين (على حد تعبير شاعرنا اللامع محمد زايد الألمعي). وهذه الإشكالية تأتي من اتجاهين:

أولهما: الطبيعة البشرية التزلّفية المرتبطة بالحاجات الإنسانية بين المتزلّف وذي النفوذ، أوقل: الطبيعة البشرية الاحتفالية بقضاء المآرب على امتدادها بين الحب للحب والحب لغرض حسّيّ مقصود، وذلكم معروف عبر تاريخ الإنسانيّة ولا يحتاج إيضاحا.

وثانيهما: الخلط بين مصطلحي (الصدق والكذب) ضمن تيه العقل في دنيا خاصةٍ اصطُلِحَ على تسميتها (الحقيقة) مع البحث الحياتي المستمر عن كنه هذا المصطلح، فمن مَدحَ ليُعطى خِلعة السلطان هو متزلف أمام من لم يعط لعفافه أوعدم إمكانه، غير أن المادح صَدَقَ في التعبير عن مشاعره، ومن اختار الشتيمة أو الهجاء فقد صدق مع شعوره وتجربته بغض النظر عن موضوعية المسببات أو موضوعية الصدق نفسه، فالمدح حبّا كان أو تزلفا هو أولا وأخيرا تجربة مرتبطة بإنسانية الإنسان معنى أو حسّا.

ونجد هذه المقاييس تنطبق على مجالات غير مجالات المدح والقدح – أو يمكن إدخالها ضمنها- إذ نعرف من المسلمين من لا يجد قادحا في مسلم يخالفه في بعض التوجهات البيئية الخاصة التي حاول – عبر تراكميته التاريخية التي لا يعيها – حاول تفصيل الإسلام عليها، فقرر اللجوء إلى الطعن في عقيدة الآخر ونيّته التي لا يطلع عليها سوى بارئها، وهو قرار صادق الشعور رغم (لا وعي) ذلك الشعور.

ومن أصعب المواقف التي نشعر فيها بالضيق في التعبير: أن تحبّ من يملك شيئا من تصريف شؤونك، فإن وصفته فأنت المتزلف مهما ملكت من الموضوعية، وإن أجّلت هذا فأنت في خانة من لم يقل ما علمه، وضمن الذين يؤجّلون الحديث عن المبدعين حتى يرحلوا قبل أن يستمعوا إلى حقهم المشروع في نشر إبداعهم وأرج تميّزهم فنا أو قيادة أو خلقا.

ضمن كل هذا قرأتُ قصيدة الشاعر: أحمد عسيري (سبعون سنبلة) في هذه الصحيفة، عدد: (3489). فقد سايرالأمير خالد الفيصل قرابة أربعة عقود من تيسير (عسير)، لكنه لم يستطع مدحه إلا بعد صفاء السلطة إلى سلطة الحبّ المبرر. ثم إنني أعيد مضامين النص إلى أصل المدح وهو الوصف، لاعتبارين: شهادة الواقع – وتغيّرسلطة الموصوف على الشاعر. فلو مدحني أحمد عسيري لما احتاج النص مثل هذه الزاوية، كما لو كان أحمد لم يزل ضمن دائرة خالد الفيصل لوقع النص تحت مأزق تأويل الحشر في زمرة المادحين. >

شاهد أيضاً

مجلس الشورى يعقد جلسته العادية الخامسة من أعمال السنة الثانية للدورة التاسعة

صحيفة عسير ــ واس عقد مجلس الشورى اليوم الاثنين، جلسته العادية الخامسة من أعمال السنة …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com