ذاكرة قرية عربية

ألستمْ معي أن الثقافة أعياد؟ نحتفي في معرض الكتاب بقلوب دفقتْ دماءها على صفحاته، وهناك في سويداء القلب نحتفي بذاكرة قرية عربية في كتاب من وجهين هما: بلدة (رُجال) في محافظة (ألمع) ووجهها الكتابي في كتاب الأديب (علي مغاوي). فمنذ 49 عاما كان على هذه المحافظة أن تحتفل بلجنةٍ قادمة من ديار الطفرة المالية الأولى، لتحدّقَ في تفاصيل أحلام الجبل الأسمر آمالُ البُعد في الأودية التهامية، وقتها عجّ المكان بثقافته الماثلة في الفلاحة والرعي ومراسم القوافل وبقايا أعواد الإخريص وقليل من مداد غالبه الجفافُ يتهجَّى وجوهَ الوافدين. اليوم الاثنين ليس بدعاً في حراك السياحة الذي بدأ هنا بما فعله الطامحون من أهالي هذه البلدة كلما استثارت خطى الجَمال نزوة فعل، ولأن الهيئة العامة للسياحة والآثار قدرٌ هامّ من أقدار آثارنا وتراثنا فإن الأمير سلطان بن سلمان (الذي حضرت شهادته ذات احتفاء بأن أهل هذه البلدة علمونا الحضارة قبل أكثر من 20 عاماً)، أمام إرث ثقافي وتراثي يفرض مسؤوليات تبدأ بالتاريخ ولا تنتهي عند حدود الاستثمار الاقتصادي. ستدشّن الهيئة مشروع إعادة تأهيل القرية من خلال عناية فائقة وتركيز كبير في المخططات التي تم الانتهاء منها وهذا منعطف كبير يبرر فعل أهالي رجال ألمع من ربع قرن، دفعهم إليه الإيمان بأهمية المكان وضرورة الحضور، ومن هنا فإن أمير منطقة عسير فيصل بن خالد يمثِّل القاسم المشترك الأهم في هذا المشروع، ورعايته لهذا الاحتفال التراثي الفني ليست الأولى بإبداعات الفاعلين من أبناء المكان قبل أن تتلفع الحصون بأضواء الكرنفالات وتنافس تقانة الصوت مساحات حناجر المنشدين الطافرين بغوايات العشق وقبل أن نستورد حسا وافدا يغافل أنفاس مزمار الراعي أو يتكلف نشوة استدارة صفوف السامرين على إيقاع (الخطوة).. مساء الاثنين معادلة طرفها ربع قرن من الفعل الأهلي التطوعي الطامح وطرفها الثاني تخطيط ودراسات جادة لكنها لا تساوي سوى ربيعٍ بانتظار اخضرار النوايا وارتجال المواقف.

(سرى الليل يا لابةَ القوم منذ استدار السؤال ومنذ احمرار المقَلْ..

فما عاد ليلُ المواعيدِ في غيب أحلامنا يستترْ..

أجلْ إنَّهُ وجْهُها والحصونْ..

وتاريخ معشوقةٍ حسنُها فاتنٌ لم يزلْ..

فلا كان فينا محبٌّ إذا جاء صوت الزغاريد في ليلة العرس مبحوحةً تختنقْ..

ألا يا سنين العزائمِ قولي لهم):

(مَتَى ما سهيلِ اميمانِيْ سقاَناَ

ودقْلِ الرَّوابِعْ تقاصَفْ رعُودَهْ

فتِمْسِيْ على خير يا اخْضَرْ محَنَّى

تمسَّوْا على خير والصّبحِ مِناَّ). >