ميمونة تعرف ربِّيْ وربِّيْ يعرف ميمونة

في مثل هذا اليوم من الأسبوع الماضي كان قرويُّكم «ذِيْباَن» يعيش مع ما تعلَّمه من أحد مشائخه التُّجَّار،وهي: «عَنْز وتيْس واللهُ أكبر»، التي كانت كافية له حتَّى يكون بينه وبين الله ذلكم الرابط الشَّديد، متجاوزاً معلمه الذي طلبَ عنزاً وتيساً لتعليمه ما يربطه بربِّه.

وأثناءَ تجواله في مغرب الشمس كانت «ميمونة» قدراً آخر في انتظاره، ليقررَ إعلانَ صلته بالله دون وسيط.

جاءَ إليها وبضاعته تلك الجملة التي اكتشفَها ببُعْدِه عن زحام دعاةِ التِّجارة مصلِّياً معتداً بها.. غير أنَّ باب العلم انفتح له من جديد مع ميمونة.. رآها من أسعدِ الخلقِ: تحبُّ الله ويحبُّها، لا تثقُ في أحدٍ سواه، حاول أنْ يراها تلجأُ إلى مفتٍ عن ماذا تأكله وما تلبسه، غير أنه وجدها تعيشُ في نعمة وحبِّ المعبود لا في نعمة المخلوق.. بحثَ بنظره القرويِّ الثاقب عن كونها عورةً تتحرَّك، فلم يجدْ سوى ملاكٍ يستظلُّ بالله حياةً وجمالاً، تحبُّ كل ما ومَن حولها ، تبشُّ وتضحكُ وتمرحُ مع كلِّ جمال، وإذا بكتْ وحزنتْ زادَ جمالها ولمْ تشْقُـقْ ثوباً ولمْ تضربْ صدراً ولمْ تجأرْ بصوتٍ منكرٍ باسم أحد من العباد «لا حُسَيْن ولا علِيّ»، بل ترفعُ دموعها إلى الأعلى فتعودُ إليها رضا بجمال الحياة..

حاولَ جاهداً أن يجدَ سياسياً واحداً يسخِّرُها لسياسته بركوبِ المذاهب والتيارات فلمْ يجدْ.. استعرضَ معها ما يعرفُهُ من المذاهب – قبل أنْ يرتقيَ ويحظى بعلمه الأعظم: «عنز وتيس والله أكبر»: أصوليَّة – ليبرالية -علمانيَّة – سلفيَّة وأشعريَّة أو ناصبيَّة ورافضيَّة – وغيرها، فضحكتْ في وجهه حتَّى رأى في ضحكها من آيات الله الكثير.. سألتْه: ما هذه؟ أهي عائلات أم قبائل؟ حاول أنْ يجدَ في حياتها سلوكاً أو فكراً بُنِيَ على فتوى مفتٍ أو بيان تحريضيٍّ ضدَّ وحدةِ وطن، فلمْ يجدْ.. اتَّجَهَ نحو ذاكرته – قبل تحرُّره من الدعاة والمشائخ – فتذكَّرَ أنها ليستْ غريبة عليه، فقد عرف عنها بعض أسرارها وأوضحها عبر «إحدى صحفه» قبل أن تصبحَ شبهَ طائفيَّة.. لمْ يجدْ حتَّى الآن ما يقنعه.. قرَّرَ التلصُّص – بخبْث فطْريٍّ- على خصائصها وصَلاتِها، فهو قد أدركَ بأن دعوته صارت مستجابة، وعلاقته مع الله صارت شديدة ومباشرة بعد تحرُّره من هذه المسميات منذ أن تعلَّمَ تلك المقولة.. كانتْ صدمته عندما سمعَ قراءتها (ميْمونهْ تعرفْ ربِّيْ ، وربِّيْ يعرفْ ميمونهْ) !! فقد أخبرته حينها أنها لم تتعلم على أيدي أحد.

ميمونة: تلبس ما تشاء.. تأكل ما وجدته من رزق الله.. تحبُّ كل خلقه.. تعملُ من الفجر الصادق حتى شفق المغرب ضاحكة مستبشرة.. تصلِّيْ بتلك المقولة، قانعة من الحياة بحرِّيَّتها عما كان يعرفه صاحبها «ذِيْبان» من مصطلحات وعْظِيَّة قد تفتِّتُ البلادَ والعباد.. هنا اكْتَشَفَ صاحبنا له ملجأً هادئاً مريحاً عن زحمة البيانات التي تتصدَّرُ الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي أشْغَلَتْهُ عن حياته وعن علاقته بالله. وفي جوار ميمونة – رضي الله عنها – وجدَ الحياة لله بحرِّيَّة بعيداً عن زحمة الدُّعاة، ثمَّ بدأ يطرح أسئلته على نفسه:

-الإخوان: قومٌ سبقَ لهمْ إغراؤه في كتبهم ومؤلفاتهم وعلى رأسها «معالم في الطريق»، وعَدُوهُ فيها بعودة الخلافة، وبأنَّ الحاكميّةَ لله.. ها هم اليومَ يتربَّعون على هرم السلطة.. أين الحاكمية ولمن الأمرُ اليوم؟ لله أم للإخوان «الحزب»؟ ولمْ يزلْ «ذيبانُ» ينتظرُ أن يكون الحكمُ لله لا لحزب الإخوان..

– أهل السُّنَّة والجماعة: أيُّ القومِ أحقُّ بهذا؟ وهل كل المدَّعين وصلَ ليلى صادقون منذُ معاوية – وعبرَ حرّان – حتى اليوم؟ ولمَ تنهضُ تلكم الاتِّجاهات كلما بعُدَتْ عن بؤرة الدين «مكة – المدينة» مع أنهما المصدر؟ أو بتعبير آخر: ألمْ يكنْ من المفترض أن أصل أهل السنة والجماعة هم أهل مكة والمدينة المنورة؟

– الشِّيعة: «ذيبان» بقرويَّته يستغربُ كثيراً كيف يتلقَّى بعضهم تعليماتهم بلغات ودماء مختلفة لا تمتُّ بصلة إلى لسانه ودمه وأرضه رغم أنها مهد الدين والعروبة!! ولمَ يكون «آل البيت» لديهم مجرَّدَ أئمَّة مختفين عن خلق الله، ولمَ يكون لدينا في نجران «همدان وبالحارث» شيعة وطن وفي غيره بعض شيعة مختلفين، وهل للعمق التاريخيِّ هنا دور مما يسهِّلُ بعض المناطق على اختراق مفهوم وحدة الوطن؟ ومرة أخرى لمَ ابتعدَتْ هذه المذاهبُ والاتِّجاهات عن مهدِ الإسلام الحقيقيِّ وعلومه النَّقيَّة الصافية؟ فقد كان من الأولى والمقبول لديه أن تكون مذاهبُ الدين كلها وعلى اختلافها في مهدِ الإسلام!!

– لمَ لا تعلنُ كل الطوائف – بُداتها وأمميِّيْها – بأنها سياسية، وتريح «ذِيبان» و»ميمونة» مع ربِّهما، دون ازدحام على المنابر الدينية والفتاوى والبيانات والخيانات والتَّخوين؟

دعوة إلى التحرُّر:

يعلنُ «ذيبان» من مشرقه العربيِّ، و»ميمونة» من مغرب الله اقترانهما دون أدنى وسيط سياسيٍّ أو تاجر قنواتيٍّ إعلاميٍّ وجدَ في التراث متَّسعاً لتجارته بالأوطان والأديان.. كما يتقدَّمان إلى كلِّ خلقِ الله بالدعوة إلى التَّحرُّرِ عن كلِّ من ارْتَقَى منبراً لفظياً أو كتابياً نفعياً تجارياً يحرِّضُ فيه عباد الله ضدَّ أهلهم وأوطانهم راكباً صهوة الدين وقِيَمِه.
>

شاهد أيضاً

حالة الطقس المتوقعة اليوم الثلاثاء

صحيفة عسير _ واس توقع المركز الوطني للأرصاد في تقريره عن حالة الطقس لهذا اليوم …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com