غزوات وزارة الكهرباء

صاح بي الإعلامي العتيق المدعو (رزقان العبدلي) الذي لم يزلْ يحمل بين جنبيه مفهوما باليا عن سلطة الإعلام، دون أن يدرك أن بعض وزاراتنا ومؤسساتنا استمرأت هذه السلطة وتماهت معها حتى صار لديها من الحصانة ما يؤهلها لترك الإعلام يصرخ دون رد عليه، فتلك أفضل وسيلة لتمريرغزوات الفساد (الصمت.. الصمت..)، وأنا معهم في نجاح فكرة الصمت لتمرير كل ما نريده! صاح بي متأثرا بالتاريخ وغزواته منذ الغزو المغولي والصليبي حتى غزوة (منهاتن) وغزوة (الجمل) الحديثة! هذه المرة آمنَ الرجل أن زمن الغزوات التقليدية قد ولّى وأن الطرق الحديثة فرضت أنماطا مختلفة من الغزو الداخلي المُشرْعَن بحجج جاهزة لدى مسؤولي العلاقات العامة.

نتيجة ذلكم الصائح، تركنا اليوم الخوض في قضايا الرأي التي تخص الربيع العربي والفكر والاتّجاهات والأدب والفن، وقررنا خوض صيف وزارة المياه والكهرباء وشركاتها، وتأكّدنا أن مستفيدَ الضمان الاجتماعي و(حافز) لا تهمهما فصول العرب، ولا مصير الإخوان المسلمين وأحزابهم والديمقراطية، ولا ما يحدثُ في الإليزيه أو أهداف الكريملن من حماية الأسد، بقدر ما تهمهم الغارات التي اعتادت أن تشنها عليهم مؤسسات الخدمات الكبرى التي تتفنن آخر كل شهر في جبي الفواتير بما يستهلكه المواطن، وتشعرُ أن عليها واجبا آخر في الجباية يجب أن تستكمله بوسيلة أو بأخرى، فكان إسهام شركة كهرباء عسير عن طريق الانقطاعات المتتالية لخدمتها، وهو أمر قد تفيد من تجربته بقية مؤسسات الخدمة كالاتصالات مثلا في ما لو زاد المقام السامي مخصصات الضمان الاجتماعي أو (حافز)! فكالعادة، بدأ الصيف، وبه بدأ استنزاف الكهرباء للصحة العامة ولاقتصاد المؤسسات والأفراد. وبالمناسبة، أودّ أن أقول لمعالي وزير المياه والكهرباء الذي قد لا يعلم عن هذه الغزوات شيئا -خصوصا أن الشركات تنتقي لغاراتها أماكن نائية من الوطن وباحترافية عالية- أقول له: أنا لا أتحدّثُ عن بشرٍ مدللين لا يحتملون حرارة الصيف، فهم أبناء الجزيرة بحرّها وقرّها! سأتحدّثُ عن إسهام وزارته في تدمير الصحة العامة واستنزاف دخول المساكين المتواضعة التي تعتمد على الضمان الاجتماعي وعلى المنحة الملكية (حافز) للعاطلين، وعلى مبيعات البدوي والقروي من أعز ما يملكه (غنمه) للصرف على أطفاله!

وسآخذ يوم السبت: 2- 6- 2012 أنموذجا، حيث كان مثاليا لإحدى غزوات شركة كهرباء المنطقة الجنوبية، وكانت الغزوة هذه المرة في محافظة (رجال المع)، استمرّت يوما كاملا، حيثُ أخذت شكل غارات متقطّعة قاربت العشر، حتى إنّ معظم المواد الغذائية في ثلاجات الأسواق قد فسدت، وللأسف سيضطر المواطن إلى شراء هذه المواد بفسادها، وبهذا ستتدمر صحة المواطنين المستهدفين.. كما أن كل الأدوية المحفوظة في ثلاجات الدور والصيدليات والمراكز الطبية قد تلفت، وبهذا يكون لانقطاع الكهرباء أكبر أثر للتدمير!

أسهمت الشركة الرءومُ بأداء رسالتها في الانقطاعات إلى حد أن صغارنا في قاعاتهم الأسمنتية في تهامة قد اجتازوا اختباراتهم تحت درجة حرارة (45)، وبهذا حققت أحد الأهداف التي عودَتْنا عليها كل صيف!

أما على المستوى الاقتصادي المنزلي، فقد بنينا تقدير الخسائر على عينة من تلكم الأسر، قمتُ باستطلاعها مع الزميلين: رزقان العبدلي وعامر الزيداني، خصوصا أنني لستُ صحفيا ولا أملك التوثيق الصوتي والتصوير ولا التعامل معه، علّنا بهذا نُطمئنُ القائمين على الغزو بنجاح المعركة التي يخوضونها، ونُطمئن وزارة الشؤون الاجتماعية والضمان الاجتماعي و(حافز) بأن وزارة الكهرباء تسعى جاهدة إلى إيجاد أبواب لصرف هذه الإعانات على عمال الورشات من الهنود والبنغال الذين ارتأت شركة الكهرباء مسؤوليتها عن بطالتهم بعد أن اكتظّ البلد بالأيدي العاملة الوافدة، وهذا مما يحسب لشركة الكهرباء ووزارتها الجليلة. وجدنا خسائر كل منزل -نتيجة غزوات الشركة في هذا اليوم- لا تقل عن مائة ريال من الإصلاحات، وهذا يعني أن ( 1000) أسرة دفعوا مائة ألف نقدا خلال ساعات الغزو، فكم سيكون إجمالي ما دفعه كل المشتركين؟ وكم سيكون ثمن تعرض أطفالنا في قاعاتهم لما تعرضوا له؟ وكم ثمن إتلاف الأدوية والأغذية وما ينتج عن ذلكم على صحة المواطن؟

وتم حصر أضرار أسرة واحدة (أسرة الأستاذ: عامر الزيداني) حصرا شاملا كأنموذج عملي، نتيجة انقطاع التيار أو تذبذبه بتلف ما يلي: خمس ثلاجات + سبعة مكيفات + ثلاث مكانس كهربائية + أربعة تلفزيونات + ثماني غسالات + أكثر من 50 لمبة + سرير طبي لشيخٍ مقعد بكامل أجهزته، وعليكم تقدير تكلفة آلاف المشتركين!

وبناء على معلوماتي الميدانية، أطلب من معالي وزير المياه والكهرباء تشكيل فريق بحث للتأكد من أسباب هذا الانقطاع المتكرر للكهرباء والذي يعود على المواطنين بضرر بالغ.

المشكلة الكبرى: إلى من يلجأ هؤلاء لطلب التعويضات أسوة بالعالم المتحضر، بل إلى من يلجأون لإنقاذهم من هذه الغزوات؟
>

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com