تتوقف أحياناً الأفكار كافة وتتصلب القدرة على الخوض بجدية في أي موضوع عابر، إذا كان هناك ما يوازي الاقتحام الإسرائيلي العنيف على «أسطول حرية بحري» يريد أن يفك الحصار على غزة وأهلها الصامدين الصابرين.
تتغير مجريات دورة الأيام يوماً بعد يوم نحو الأسوأ، و«تثبت» المقولة أن «العرب» ظاهرة صوتية، نحلم أن «تتغير» المقولة، لكننا نحلم أكثر أن تتغير دورة الأيام «للأحسن»، ليس لدينا الثقة في تغيير المقولة، ولم يتجاوز «الحلم» فترة الرضاع!
العرب يغضبون ويشجبون وينددون ويتأثرون تجاه أي جرح، وهذا «جميل» إنما لا يكفي، المثير أنهم «ينسون» بشكل سريع و«أجمل».
«إسرائيل» تتقن التخطيط وتجيد ألعاب الهواء والأرض وأخيراً البحر، وعرفت أن ردود أفعالنا تشبه «التفحيط» وتضيع في «الهواء» ثم تضرب بها «الأرض» وترميها في «البحر».
لا أرشح الرد «بالعنف»، نحن لا نحبه ولا نؤيده، إنما لا بد أن نقف أمام هذه الهمجية الاسرائيلية «بعنف»، يشبه عنف «الهمج» في المضمون ويختلف عنه في «الشكل»، عنفهم «مباح» مسكوت عنه، وعنفنا «صامت» مغضوب عليه، أفعالهم مرفوعة الرأس لغياب الجسد المقابل عن تكوين كلمة مضمومة، أسلحتهم معروفة مجدية، وأسلحتنا معزوفة على لحن أغنية، رؤوسنا مكسورة بفعل كثرة الخطب والبيانات والقصائد والشعارات والأغنيات، ورؤوسهم مفتوحة بفعل القراءة والتخطيط والقول والفعل والمعمل والمصنع.
الدفاع عن الأرض والعرض وحماية التراب والذود عن الوطن بالنفس والمال تقرأها إسرائيل مختصراً مفيداً عن ماذا يعني «إرهاب» ولا تحله إلا الموت على طريقة مستفزة قذرة، أما المجازر ورائحة الدماء والتعدي على الآخرين فعمل مبارك مشروع لا يحتمل أي «عقاب».
حين عزلنا القضايا المحيطة، وفصلنا واقعنا العربي إلى نصفين، نصف نعيشه ونصف يعيشه غيرنا، وحاصرنا الألسن لئلا تتسرع في الحكم وتشعل الأنفس، استوعبنا العدو تماماً فعزل «الضفة» وحاصر «غزة»، وفصل العقول عن المضي نحو التفكير بمنطقية وجدية لمجابهة قسوة وظلم العزل والحصار والفصل.
ينتفض العالم البعيد وهو غير معني سوى «بالإنسانية» فننتفض مثله أو بعده ونحن معنيون بالدين والدم العربي والإنسانية، «الانتفاضة» مختلفة والاحتلال واحد! بمثل هذه المجازر نحسب أعلى الشعوب في «هدر الدموع» و«بيع الكلام» و«لطم الخدود» و«شق الجيوب»، وكل ما يذهب عام للأمام، تذهب حماستنا «عاماً» للخلف، وعندما نهدر الدموع نتبعها بأغنية بكائية على موسيقى راقصة، أو نبيع أحلى الكلام وأكثره نفوذاً للقلب بثمن ضئيل، أما اللطم والشق فشأن شخصي لا يحاسب فاعله ولا يعاقب تاركه.
أهل غزة لا تحتموا بالعباد الضعيفين، احتموا برب العباد الضعفاء والأقوياء.