فكرة تَستَحق أن تحظى بعناية فائقة وتشمل كل الأطراف والمراكز، وتدعم بجدية كما تدعم أفكارنا المستوردة والمستهلكة بمصروفات باذخة لا تُثمِر عن فعل مبهج لمصلحة العقول، الفكرة اللافتة الجديدة حضرت هذه المرة من إدارة التعليم بحفر الباطن، وضربت بجرأة في جرح اجتماعي كلما اقتربت حلول العلاج منه، اكتفينا بالصبر والتحمل والسكوت وترك الحبل على الغارب لاشتعال أوراق التبرير المباشر بعد أي سلوك نشاز يخرج بمحاذاة هذا الصمت، حازت الفكرة على مربع صغير بصدر صحيفة محلية واحدة، ولذا سأسحب المربع الصغير لمستطيل جديد أكبر مساحة، ولأقول لإدارة التعليم صاحبة الفكرة وقصب السبق: شكراً من القلب على الجرأة في العرض ومحاولة إيجاد حلول مبدئية لمشكلات نعرفها وندرك أبعادها، إنما لا نجرؤ على طرق بواباتها، بل نتعلل في الدخول بأن النافذة مغلقة! الفكرة لمن فاتته معرفتها هي إقامة برنامج إرشادي اجتماعي توجيهي بعنوان «دعوها فإنها منتنة»، وربما يتداخل معي قارئ لهذه الأسطر وينفي أنه لا ملامح بارزة عن وجود تفشٍّ للتعصب القبلي على السطح الاجتماعي، ولعل المتداخل الكريم خجول من ندوب الوجه فينافح – كما هي عادتنا في الدفاع عن الخطأ – بالأنف، أو أنه لا يريد أن يبدأ باستعراض الجرح، فهو سيكتفي بأن هناك الأقدر والأجرأ والأولى.
الجيل الجديد ولتأثير بعض القنوات وسباحة المجتمع بغالبيته في قصائد الشعر والتفاخر والمديح والمزاين يذهب تلقائياً في انطلاقة سريعة للخلف، يغلق عقله عما يحيط من مباهج وقفزات؛ لأن انحصاره في دائرته المغلقة تعززه عوامل ملاصقة تبدأ من الأسرة المحيط الضيق، وتنتهي بالمؤسسة الاجتماعية «القبيلة»، هذه العوامل تستند على العيب، وفضيلة أخذ الحق باليد، وانصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، والفزعة الفزعة، والجبان لا يعيش، ووفق هذه العوامل صار مستحباً استعمال الأسلحة البيضاء والرشاشات والآلات الحادة، ولا يهم فيم يستحب استعمالها؟ لست بصدد سرد ما حدث من ندوب في الثوب الاجتماعي السعودي تحت تأثير العصبية القبلية المباشر أو غير المباشر عبر الاتكاء على عوامل تعزيزها السابقة الذكر. أحيي الفكرة الرائعة وأطالب أن تعمم بالتدوير على إدارات التعليم ونتحمس لها كما لو كنا في حركة دؤوب لمزاين مُكلِف أو أمسيات شعرية حماسية تحركها أكفّ التصفيق من دون أن نثق في عبارة واحدة من المطروح، وكمعلومة معترضة فإن أكثر طريقة مؤدبة لقطع حوار لا يعجب هي التصفيق.
ما يحدث ليس مندرجاً ضمن ما يُعرف بالظاهرة للصمت الذي يلف قضايانا ومشكلاتنا حين يكشف النقاب عن تفاصيلها، إنما أسهل ما يمكن أن يتحول إلى ظاهرة هي إفرازات العصبية القبلية؛ لأنها سهلة الاشتعال لفراغ الدماغ. ولا عيب إن قلنا إننا بحاجة إلى برامج وحوارات ومنابر ونقاشات جادة وجهد جبار حتى نضعها في ميزان معتدل تعاملاً وطرحاً، وأن نخرج بها من دوائرها الضيقة، ومساحاتها المغلقة لأفق أرحب وميادين مشرعة للرقي والمثالية والانضباطية. لم تذهب فكرة أهل «حفر الباطن» لواقع النقاش والتوعية والطرح إلا لثبوت أن الأرقام تتزايد وتتغير بثبات المسبب والسبب. كانت لهم المبادرة وشجاعة الطرح عبر المعايشة والمعاناة وليسوا بمنأى عن مدننا الأخرى، فقط لتأخذ العينان التفاتة دائرية للخريطة بعد أن نسجل لتعليم حفر الباطن أولوية وسبقاً، ونعمم سريعاً برنامجهم قبل أن تتفاقم العصبية ونستمر في تدعيم شعارنا المستتر الخفي «معها فإنها ممتعة»!
>
شاهد أيضاً
أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري
صحيفة عسير – مها القحطاني : استقبل صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن …