بدأت جامعة الإمام بما كانت تظن أنها محاولة بريئة لشرح شيء من المعتقدات والظنون وتمريرها عبر بعض الأسئلة الجامعية، تلك التي صدمت طلاب مادة «سيرة الدعاة» في الجامعة على رغم إيمانهم بالحقائق والثوابت، لتتكوم هذه المحاولة في الأذهان كصراعات هائلة، وتأويلات يصعب الخروج منها، وإلا لماذا سكتت الجامعة على الخطأ ورأت أن تقدم معه مفردة التغافل؟
قلت إن الجامعة هي من بدأت، لأن أستاذها الجامعي هو بطل المحاولة المحزنة لشطب ماضٍ عريق واستدعاء شيء مما يحق لي أن أقول عنه إنه حقن عقيم بأسطر كاذبة، وليت جامعتنا قدمت ولو ربع اعتذار على لسانها أو لسان مخترع الأسئلة غير الطازجة، التي واجه بها طلابه الجامعيين، وأصرّ على أن سفر الدعاة إلى جنوب الوطن قبل 76 عاماً عائد لكثرة الشركيات والبدع، وأن هذا المسمى «بالجنوب» «كان ممتلئاً بالقبور والمتوسِّلين بها، فضلاً عن أن الداعية «محور الأسئلة» لقي معارضة شديدة من أهل المكان لكونهم لا يحافظون على صلاة ولا صيام ولا يؤدون الزكاة.
مضت الأسابيع الفائتة وبلع «الجنوبيون» عذر أن الأسئلة الخاطئة وأجوبتها المتنوعة الباردة قدما إلى ورقة الاختبار في غفلة من أعين الرقيب وبخطأ لن يتكرر، ونسيت أو تجاهلت الجامعة العريقة أن أسئلتها الخاطئة ستقابَل بكم أسئلة حارق وموجع وإجابات يتيمة لا خيار يردفها، دُفِنَتْ أسئلة أستاذ الجامعة وماتت برفقة الدرجات المقررة للنجاح، وأخاف أن يظل المنهج حياً في الفصل الدراسي المقبل، وممتلئاً بهذا الشحن الهائل على جغرافيا من دون جغرافيا وبلا مستند ثابت أو مبرر مقنع.
قبل أيام قليلة رُفِعَ النقاب عن ورقة أخرى واحتقان جديد، حين انكشف خطاب أرسله قاضي محكمة محافظة رجال ألمع قبل عشرة أعوام لوزير الشؤون الإسلامية والأوقاف، وأبدى فيه ابتلاءه بتعيينه قاضياً في هذه المحافظة، لأنها تعج بالبدع والمحدثات في العقيدة والعبادات، ثم طلب من وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف حينها تعيينه خطيباً احتياطياً ليتمكن من تصحيح عقيدة الألمعيين، على رغم إشارته قبل سطرين في طلبه الميمون إلى أنه يخطب الجمعة في جوامع متفرقة من المحافظة وقد يتخلف أحياناً لوجوده في الرياض، وبين البدع والشركيات وخطبه المتفرقة والرياض ورغبته في التعيين الاحتياطي شعرت بالأسى وعاصفة من الخيبة.
أكتب لكم وأنا ابن المكان، وأقسم أن أرضي دوحة في الدين والعلم والجمال والأدب، فهي من أنجبت علماء دين وشيوخاً لهم حضورهم على الصعيدين المحلي والإسلامي قبل خطيب الاحتياط، لكن هذا الاستجداء السري أراد الرب له أن ينكشف، وبمعيته تعرّت جروح صامتة، كان المحتوى وما تضمنه من تهم قاسياً بائساً وغير صادق على الإطلاق، ولو كان الهدف تصحيح العقيدة فالخطبة الاحتياطية لا تحلها.
نريد يا – أهل القرار – أن يقف عند حده كل من يسطر الإساءة في قالب حسن النوايا العلنية والسرية، وتخيلوا أن يقدم الموجوعون والمظلومون التهم ذاتها لجغرافيا التصنيف، هل سيكون الوجع واحداً أم أن خطوط الدفاع ستتضاعف؟ الصمت ليس جبناً، لكنه خير إجابة على من تعتقد أنه جاهل أو غاضب.>