اتذكر عندما كنت صغيرا وفي حضرة وأثناء مرافقة والدي – رحمه الله – أن أفراد الأسرة الواحدة يجتمعون فيما بينهم وتعقد بينهم زيارات مستمرة ووصال، وكبير الأسرة له مكانته وإحترامه من جميع أفراد البيت الواحد، حيث كانوا يجلون كبيرهم ويطيعونه ويأتمرون بأمره ويسمعون نصحه في سبيل الحفاظ على الترابط الأسري ومن أجل تقوية اواصر المحبة وصلة الرحم فيما بينهم.
أما في وقتنا الحاضر فنجد أن هناك فجوة بين أفراد الأسرة الواحدة عكس ما كان في السابق وأصبحت هناك تجمعات مصغرة تضم عددا أقل من أفراد الأسرة الكبيرة، أثر ذلك على صلة الرحم وتواصل الأقارب.
والمتفكر لهذا الأمر الخطير على صلة الرحم والأقارب والتواصل الاجتماعي نجد أن له أسبابه، من ضمنها الجهل بأهمية صلة الرحم والأقارب والتواصل الاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة وظهور بعض الخلافات الأسرية وسوء الفهم بين أفرادها، وهذان السببان قد يكونان هما السائدان والمعروفان في مجتمعاتنا، ولكن في اعتقادي أن هناك أسبابا أخرى لا يقل أثرها عن السببين السابقين ومنها:
– أن الأسرة الواحدة في السابق قد كثر عددها وتفرعت إلى أسر داخل أسرة كبيرة “أم” وفي هذه الحالة يرى الكثير إنه من الصعب التواصل فيما بينها عكس ما كان في الماضي عندما كانت الأسرة الواحدة لا تتعدى عدد أصابع اليد من الأفراد، بينما نجد في وقتنا الحاضر أن هذا العدد قد تضاعف عشرات المرات.
– أن الأسرة الواحدة في وقتنا الحاضر والتي كان يمثلها في السابق عضو من أعضاء الأسرة “الأم” أصبح هو حاليا كبير أسرته وأصبح لديه من الأبناء والأحفاد ما يغنيه أو يشغله عن غيره.
– أن المدنية وتحسن المستوى المعيشي للفرد عكس ما كان عليه في السابق قد أثر على تفكك الأسرة الواحدة، حيث أن البعض من أفراد الأسرة الواحدة يرى إنه مستغني عن غيره ولا يرى أن له داعٍ أو حاجة في التواصل مع أفراد اسرته “الأم” كونه في غنى عنهم وغير محتاج لهم.
– تفشي الغيبة والنميمة والوشاية بين أفراد الأسرة الواحدة، حيث نجد أنها قد تكون سببا مؤثرا في تفكك الأسر، مما يؤثر ذلك على صلة الرحم التواصل الاجتماعي بين أفرادها.
وعلى الرغم من تأثير هذه الأسباب على تفكك الأسرة الواحدة إلا إنه يجب علينا ألا نستسلم لها وألا نجعلها عذرا لتفكك أسرنا أو تجاهل أهمية صلة أرحامنا وأقاربنا والاحسان والبر بهم، بل يجب أن نقتدي بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلة الرحم والأقارب وحب التواصل الاجتماعي على مستوى الأسرة الواحدة، حتى لو كانت الأسرة الواحدة كبيرة، فكبر الأسرة شئ إيجابي ومفيد.
فعن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: “أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ، شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ”.
وبَشَّرَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم الذي يَصِلُ رحمه بسعة الرزق والبركة في العمر، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”.
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لاَ يَدْخُلُ الْـجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ”. وفسِّر بقطع الرحم هنا بأنه من ترك الصلة والبر بالأقارب.
في الختام ، أنصح نفسي وإياكم بصلة أرحامنا وأقاربنا ومن له حق علينا ونحتسب الأجر في ذلك، وأدعو كبير كل أسرة في مجتمعاتنا بأن يسعى جاهدا في لم شمل أسرته ولو “كبرت” وذلك في اجتماع يضم جميع أفراد الأسرة، كان ذلك شهريا أو نصف سنوي أو سنوي، ويبتغى بذلك وجه الله عز وجل، وذلك لما له من فوائد كثيرة وإيجابية، منها صلة الرحم والأقارب وتقوية أواصر الأخوة والمحبة والألفة بين أفراد البيت الواحد. >