تقاسيم (رمضان.. للذكريات.. للحنين.. للأمل)

 

IMG-20141217-WA0001

نستيقظ اليوم على شعاع الأول من رمضان، يرتبط هذا الشهر بكثير من الروحانية والمشاعر الدافئة، تولد فيه لذة لا مثيل لها، ويخلق فرح فطري لا قياس أو حدود له، يذهب بنا دائماً للذاكرة ليقول كم هي مليئة بالحكايات واللحظات والقصص والأضواء العالقة بالعقل والقلب، نتبارك به فهو يعيدنا لذواتنا وإن لم تكن هذه العودة لائقة، فهي بالكاد تتجاوز حواجز التهنئة والنصوص المعلبة والمكررة مع فارق التوقيت وعدد الكلمات.
نظن رمضان خير معين على العبادة وتقويم السلوك والتهذيب العام، لكن الظن لم يعد كافياً لوحده إن لم يكن هناك انعكاس ملموس على السلوك والخطى، يأتي الشهر كما هو برائحته وبهجته وأيامه التي تمر سريعة، لكن الحقيقة تقول بأننا «لم نعد نحن»، نسحب من الماضي الصور المبهجة والصور وحدها لم تعد تكفي فهي تختنق من هذا الفعل. ذهب أهل هذه الصور وذهبت معهم ملامح الجمال، ذهبت القلوب التي كانت تحضن الشهر وتراه آية بارعة الجمال والإبهار، آية في الفعل والتفاعل لا الثرثرة والانفعال، ذهبوا ولم نعد أولئك الذين نصافح النشاط والتفاؤل والابتسامة ونسكب الدهشة في أفواه الصغار والمحزونين ونقرأ الليل كما لم يقرأ من قبل.
رمضان شهر الحنين والعمل، الحنين لأشيائه الجميلة التي بيدنا أن تعود، ولتسامحه الذي يقرأ في الوجوه، وبركته العامة على الناس والمعطرة بالحب والبسمة المحيطة دون طلب، الحنين للحظات التي تمر من دون أن نكون مؤلمين لأحد، ولا غاضبين أو ناقمين وسبباً في أذى، رمضان الذي يخرج من شفاهنا كأنشودة لا تمل، ويصقل أرواحنا كاستثناء لا يأتي إلا مرة واحدة في العام، شهراً للاطمئنان والرحمة والعطف، شهراً شاهقاً في العلو.
هو شهر محمل بالأمل في أن نكون أفضل، حين كنا كذلك لكنا لم نرد أن نستمر، هو الأمل في أن نستيقظ من النوم الطويل وننحر عباءات الكراهية والتطرف والغلو والتكفير والتصنيف والغيبة وتوزيع التهم، هي عباءات رديئة الصنع، كريهة الملبس، أعطانا إياها من كان يتآكل على البهاء الذي عشناه، والسعادة التي عاشت لصيقة بنا وملازمة لنا على رغم ضيق الأحوال وعسر العيش، نحن لا نصلح إلا مع بعضنا، ولبعضنا، ومن يغني اليوم على أحزاننا وجراحنا كان في يوم مضى يبكي على انتصاراتنا ومنصاتنا، رمضان لا بد أن يعيدنا لذواتنا المسروقة، وأفكارنا النقية النظيفة، يجب أن يعيد غسل عقولنا ويؤثث قلوبنا ويرمم أرواحنا مما علق بها من الأوساخ المستوردة والتناقضات العجيبة والمستوقِفَة، فهناك من بعثر تاريخ النفس النقي وحصره في ساعات ما وجعله سهل التلون ما بين الصباح والمساء، هناك من سلب أفراحنا الحقيقة وجعلها أسيرة للتلفاز ورهن إشارة البطن وحده، رمضان الصباح العربي يختلف عن رمضان المساء العربي وإن كانت المحصلة النهائية لا تتركنا ننحاز للتفاؤل، نريد أن ننحاز له لكن الأقوال ليست وقوداً كافياً للوصول إلى الطريق المطمئن، طريقنا مليء بالحجارة والطبول وصغار العقول وكي نزيحهم يجب أن نزيح الرواسب ومكونات السواد في أرواحنا ونتعامل مع طقوسنا الدينية باعتبارها لنا لا لمن يريدها أن تسلب منا على طبق ساقط ووجبات هابطة.>

شاهد أيضاً

كم كنت عظيماً يا ابي

بقلم : د. علي بن سعيد آل غائب بمناسبة الذكرى الخامسة على رحيل والدي رحمه …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com