قرأت أن السعوديين أصحاب أدنى المعدلات خليجياً على صعيد الادخار، وفقاً لنتائج مؤشر الصكوك الوطنية للادخار الخاص بالدول الخليجية، في حين أظهرت إحصاءات آخر عامين، أن 89 في المئة من المواطنين السعوديين مقترضون، أعرف أن ثمة من سيتعاطى بحماسة وعاطفة، ليقول نحن نقترض للحاجة البحتة، لكنني على يقين تام بأنه لا صحة بأن اقتراض النسبة المئوية السابقة للحاجة وحدها، ولكم أن تطالعوا لمن حولكم ولأنفسكم كذلك، وتعترفوا بأن كثيراً من القروض نحتضنها للترف المعيشي والمقارنات الاجتماعية الكاذبة والمغامرات التي لا تحسب جيداً، وندخل في قائمة المقترضين المتعبين المنهكين المستنزفين شهرياً.
البنوك لا توفر أحداً، وبالتالي فهي لا ترحم، بل يسعدها ويشعرها بالبهجة والنجاح أن يصبح السعوديون مقترضين 100 في المئة، ولكننا في الجهة المقابلة لا نرحم أنفسنا مطلقاً، وألمح تزايداً في الفئات المقترضة لأجل شراء سيارة جديدة، والأخرى التي تقترض للسياحة والسفر، أو تغيير أثاث المنزل، أو حتى للسيولة الوقتية ليس إلا، ولا أنكر أن هناك من يقترض ليشتري منزلاً أو أرضاً أو راغباً في زواج أو للعلاج، ولكنني مقتنع بأن نسبة مثيرة باتت تقترض لتعجب الآخرين أو تتفوق عليهم شكلياً أكثر من أن تعيش.
إذ كانت هذه النسبة العالية تقترض عن حاجة فكيف أهرب من صداع في الرأس ينتابني عندما أقارن بين هذه النسبة وسياراتنا الباذخة أو مناسباتنا المسرفة الممتلئة بالتباهي والاستعراض من جيوب البنوك، وكذلك أسواقنا المغرية أمهات الخمس نجوم التي لا يتوقف فيها الشراء يوماً واحداً، كيف أستوعب حاجة هذه النسبة القصوى الملحة للقرض، وهو يذهب في ترف معيشي ويضيع بسهولة كما كان حاضراً بسهولة، قد تكون الخطط البنكية تعمل على «أن كل مواطن سعودي يجب أن يقترض، ومن أجل حياة طيبة للبنوك، فمن كل راتب شهري لا بد وأن يكون قسطاً لبنك»، لكن متى يحدث أن نخطط جيدا؟
واقعنا المعيشي لا يعكس احتياجاً حرجاً يقدم المواطن السعودي بهذه النسبة القصوى خليجياً، ولا يعني ذلك أنه بمقدور كل مواطن السعودي العيش من دون قرض، معلوم أن الرواتب متدنية إذا ما حدثت المقارنة والمقاربة المخجلة بينها وبين حجم الاقتصاد والارتفاع المتسارع للأسعار، لكن الاقتراض بات لعبة سهلة جداً لا نعاني تبعاتها إلا لاحقاً وندخل حينها في حسابات مالية شخصية معقدة ومعاناة ليس سهلاً الخروج منها كما كان الدخول ذات تسرع فائت، ولو كانت نسبة المقترضين تمثل من 50 إلى 60 في المئة من مجمل المواطنين السعوديين لأمكن التنازع حول أن الحاجة هي سيدة الموقف والعمود الفقري وراء المواطن المقترض، ولكن العقل يصر على أن القروض أسهل ما يتناول في اليدين، وأكثر ما يبعثر ترتيبات الحياة تماماً، في ظل أن لدينا خلطاً كبيراً وتداخلاً اجتماعياً ملحوظاً وملموساً بين الحاجات والرغبات، حتى دخلت طائفة منا تحت تأثير رغباتها الهامشية في خانة المقترضين بلا حاجة.
علي القاسمي
>