نصت المادة «السادسة والأربعون» من النظام الأساسي للحكم على أن: سلطة القضاء مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم، لغير سلطان الشريعة الإسلامية». وقد كفل النظام حق التكافل للجميع، وفق المادة السابعة والأربعين وهي: «حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين..»، ويفهم من ذلك حيادية القضاء، فهو لا يفرق بين الأعيان وبين القضايا، وهذا هو الأصل. ولقد حفظت لنا المكتبة التاريخية المعاصرة شيئًا من ذلك الحياد، فبعد وفاة الإمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود رحمه الله عام 1346هـ، ادعى شخص أن له في ذمة الإمام مبلغًا من المال، وطالب الرجل الملك عبدالعزيز بالوفاء عن والده، ولما طالبه الملك عبدالعزيز بالبينة، قال المدعي: «اذهب معي إلى الشيخ»، وذهب الملك عبدالعزيز فعلاً إلى القاضي سعد بن عتيق وانتهى الحكم لمصلحة المدعي، لقد ساند ولاة الأمر القضاء، ووضعوه في منصة التكريم، ووضعت له هالة من التقدير، ومن ذلك: أن حكم قاض في الرياض عام 1337هـ على امرأة بالرجوع إلى بيت زوجها، ولكنها هربت إلى منزل أحد الأمراء طلبًا للحماية، ولما بلغ الأمر الملك عبدالعزيز أمر بإنفاذ حكم الشرع وإلا فإنه شخصيًا سيقوم بدخول المنزل وإخراج المرأة، بل الملك عبدالعزير ذاته مُنعت شفاعته عند أحد القضاة في خلاف عام 1340هـ بين أقرباء في تقسيم إرث. هذا وقد حازت نزاهة القضاء السعودي على إعجاب المجتمعين الإقليمي والدولي في مواقف عديدة، ومن ذلك قضية مقتل المواطن خاشقجي؛ إذ نوَّهت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالإجراءات التي اتخذتها السلطات القضائية في المملكة، ففي 15 نوفمبر 2019أعلن النائب العام السعودي، أنه تم توجيه اتهامات ودعوى جزائية بحق عدد من الأشخاص الذين كانوا قد أوقفوا على ذمة هذه القضية.
وفي 23 ديسمبر 2019م أعلنت النيابة أنه تم توجيه الاتهام إلى 11 شخصًا، وإقامة الدعوى الجزائية ضدهم، فيما أصدرت المحكمة الجزائية في الرياض الحكم بالقصاص على 5 من المدعى عليهم، وسجن 11 آخرين، 24 عامًا، وحفظ الدعوى بحق 10 أشخاص. لعدم ثبوت الإدانة، وتم إعلان ذلك: بعد أن نظرت المحكمة الجزائية قضية المدعى عليهم بالرياض في تسع جلسات، وأعلن الحكم في الجلسة العاشرة، وهذا الإعلان تدعمه المادة السادسة والثلاثون في النظام الأساسي للحكم: «توفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها، ولا يجوز تقييد تصرفات أحد، أو توقيفه، أو حبسه، إلا بموجب أحكام النظام».
إن هذا الإعلان الشفاف، بعد ظهور النتائج، أشعل محطة التلفزة، ووسائل الإعلام والمقامات السياسية «حتى الحكومة التركية التي نعقت بما لا تسمع» وإن سمعت الصوت فهي لا تفقه ما تقول «اعترفت، بنزاهة القضاء السعودي، فمن ضمن التفاصيل في القضية أن أرسلت النيابة العامة “13 إنابة قضائية” إلى جمهورية تركيا لطلب ما لديهم من أدلة وقرائن تتعلق بالقضية، فلم يرد سوى إنابة قضائية واحدة فقط .
لقد أسكتت نزاهة القضاء السعودي وسائل الإعلام النزقة، والأبواق المسعورة، والمتباكية والمستأجرة، والمكينة الإعلامية المعادية للمملكة؛ لأن قانون الحياة ينحاز طواعية مع العدل، الذي يقوم الحكم في المملكة على أساسه.
د.علي يحيى السرحاني
جامعة الملك سعود الصحية
google.net2@hotmail.com>