بقلم هادي محمد الحارثي
ترتبطُ النخلة ارتباطاً وثيقا بتاريخ المملكة العربية السعودية بشكل عام، حيث تتخذها شعارا لها ، وترتبط بموروث محافظة بيشة بشكل خاص ، في كثير من نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية .
ولهذه الشجرة رمزية عالية في الموروث الثقافي للمحافظة، حيث شبه كثير من الشعراء المتقدمين نخيل بيشة بالليل الظليم كما ورد في شعر الحزازة العامري.
وتعد محافظة بيشة بلد النخيل في منطقة عسير والجنوب ككل ، وكمركز لزراعة النخيل منذ العصور القديمة في شبه الجزيرة العربية، إذ لا تكاد تخلو قرية أو منزل في محافظة بيشة من النخيل.
وقد وجد غبار اللقاح وبعض مكونات النخيل متحجرة في بعض الردوم كردوم وادي عراد بقرية الغفرات بمركز مهر بمحافظة بيشة، وهذا دليل على زراعة النخيل منذ القدم.
وقد ورد ذكر النخيل في القرآن الكريم في ٢٠ موضعا، تحدثت عن قصة مريم وعيسى عليهما السلام، وعن رطبه وطلعه وثمره وسهولة هضمه، وتحدثت هذه الآيات، عن موت وانتزاع النخيل وتشبيهها بكثير من المواقف المأساوية وحال الكفار ، وتشبيه مزارع النخيل بالجنات في الدنيا مع الزروع الأخرى كالزيتون والتين وغيرها .
كما ذكرت النخيل في السنة النبوية في كثير من الأحاديث ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بيت ليس فيها تمر جياع أهله).
وفي النقوش والرسوم رسمت النخلة في محافظة بيشة وما
حولها، في جبل شوك شرقي محافظة بيشة، في صحراء المهمل، وفي جبال القهر شرقي محافظة تثليث، وفي جبال سنامة جنوب غربي وادي الدواسر.
كما ذكرت فسائل نخيل بيشة، عندما أمر الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان بزراعة ١٠ الآف نخلة عند بئر، يقال لها مطلوب، في قصة النزاع الذي حدث بين بني سلول وخثعم،في قصة العجير السلولي ورجل من خثعم.
وقد وردت النخيل في الأمثال التالية :
(إذا كنت تأكل التمر فالناس تعد الطعام) يضرب للحذر والاستفادة من الشئ.
(اخذ المرحلة بعراها) يعني هذا المثل، لا تخلي شئ منها (والمرحلة سلة يوضع فيها التمر) .
(ازرع في كل مكانة نخلة) يعني وسع علاقاتك وصدقاتك مع الناس.
(إذا بغيت الجذب في الوصيلي) يعني لا تخلي شئ تريد معرفته ولو بالوصيلي، وهو أقل تمور الأحساء جودة.
( لاهو فوق عذوق ولا هو تحت عروق) يضرب للشئ الذي لا يستفاد منه.
(لا يفوت تمر الجص)، يعني لا يفوتك الشئ الجيد من العلم أو الموضوع.
( الخلاص لازم فيه شيص)، يعني لا كامل الا وجهه – سبحانه وتعالى – فكل شئ لابد له من نقص أو عيوب.
(لو حصلت تمرة ما أكلت جمرة) كناية أنك أحيانا مضطر لأكل التمر وركوب وتحمل الصعاب.
(مثل المترجي من الفحال تمر)، يعني الشخص المتأمل في شئ، لن يتحقق لتعذره.
( ما تقص لكربه الا المنجل) يعني لكل شئ أدواته في التعامل معه وفكه مثلا.
(مسمار في ليف)، يعني عدم الأخد بجدية الكلام ونفيه.
(وقت الصرام كل القوم كرام). من شدة توفر التمر ما تلاحظ أو تعرف الفقير بسرعة أو سهولة.
(ما يطلع الدباس الا معاصيره) كناية للعمل المتقن من عصره ووضعه في الجصة وكنزه بشكل جيد.
( كنه نخلة طريق) كناية للشخص اللي كل ياخذ منه ولا يعطيه.
(لا تفتش تمر) للنهي عن التنبيش في بعض الأمور اللي قد لا تحمد عقباها.
(بايق ما تصيده كم تطقه من جريدة) كناية عن ضرب الجريد، الذي لا يؤثر كثيرا في سارق التمر.
(تاكلك ام الخضر والليف) تصوير النخلة كبعَبع للأطفال وارهابهم بها.
(تليل في ماي) تقال: لمن يتلوى ولا يثبت على حال يعني عقرباني.
( الطول طول نخلة والعقل عقل صخله). يضرب للشخص الطويل وجسمه كبير وضخم، وعقله صغير في فكره وفي تعامله مع الامور.
(المرجع : النخلة مصدر استلام الأمثال، جريدة الرياض، السبت ٢٠/ ٢/ ١٤٢٦ه. بقلم صالح المحيسن).
وتتنوع أنواع التمور من حيث النوع والشكل والطعم والقيمة الغذائية وقابليتها للحفظ، ومن أنواع التمور في محافظة بيشة : الصفري والسري والبرني والشكل والقسوب بأنواعها وحلوة الروح وصفراء والحمراء وحمراء عميق والخضري والثعلي والمقفزي والسري وأم أصابع.
وغالبا أول ما تثمر من النخيل القسوب أو الجسوب بلهجة أهل بيشة شرقها وغربها، وأخرها المغاضيض من الجسوب إيضا، التي تشتهر بعرض سعفها وجذعها وهي من أنواع نخيل العجم.
وقد ذكر الهمداني أسماء تمران الفلج، وقال : الصفري سيد التمور، وذلك انه يغرق في البحر فيماث سائر التمور ما خلا الصفري، ثم السري ثم اللصف ثم الفحاحيل ثم المجتنى ثم الجعادي ثم الشماريخ ثم المشمرخ ثم الصرفان ثم البياض ثم السواد وهما ألوان كثيرة، ثم البرني وله إهالة وجميل مثل جميل الكبش السمين ولا يعمل الخمر من مثله، والفلج طيب الطعام ولا موذ به ولا وباء.
المرجع : صفة جزيرة العرب، الهمداني، ص ٢٧٤
وتسمية تمور الصفري؛ لعلها أتت من لونه الأصفر أو ربما في موسم حصاده عند مقدم الصفري وهو أحد أنواء المناخ التي تدل على مقدم الخريف والشتاء ( نجم سهيل)، حيث يتم التكريب أو ما يسمى في بيشة بتصريف النخل(في نجد والأحساء يسمونه تكريب) .
وقد ارتبطت النخلة في محافظة بيشة بالمعاملات الدينية والدينوية والقضايا الاقتصادية والاجتماعية، كبقية مناطق المملكة العربية السعودية التي عرفت بزراعة النخيل، فكانت النخلة التي عذوقها وعارجينها(اي عذوقها) أقل من ٥ عذوق وعراجين لا يحل بها زكاة.
وكان المتزوج يعطي مهرا لأهل العروس والعروس، عبارة عن بكرة أو غنم أو ماعز أو بقر أو غرس الضرس (أي ياخذ ثمر هذه النخلة ما دامت حية وبموتها لا يعود له في الأرض حق) ، وكانت دية الرجل ٢٥ نخلة أو من الأرض ٢٥ جريدة ويقال لها في بيشة ٢٥ عصا كوحدة قياس .
وقد كانت محافظة بيشة مصدر التمور الأول للجنوب للسراة وتهامة واليمن، وبه عرفت بيشة في عموم اليمن، فلا تكاد تذكر بيشة في اليمن إلا وترد عبارة تمر بيشة، عند معظم اليمنيين ، والتي كانت تجلب لليمن عن طريق نجران، الذين كانوا تجارها يتوافدون للأسواق الشعبية في بيشة أثناء موسم حصاد، أو صريم النخيل في محافظة بيشة، وكان أهل نجران ونجد والسراة وتهامة يتوافدون إليها في هذا الموسم من كل عام بجماله وحميرهم .
وقد كانت زراعة النخيل لها مواسمها وفصولها التي تزرع فيها، وقوانينها التي يستخدمها المزارع في زراعته للنخيل بمحافظة بيشة .
وقد تعددت طرق ري النخيل تارة بالدلو والسواني، ونقلها عن طريق الحوابيط والقنوات المائية والبرك المائية التجميعية والأفلاج .
ومحافظة بيشة تميزت بهويتها الرعوية والزراعية والحربية.
والنخيل في بيشة كمعظم أنواع النخيل لها قدرة على مقاومة ملوحة التربة، ولثمارها جودة وقيمة غذائية عالية، ظهرت في كتب التاريخ والمعاجم الجغرافية والدراسات البحثية المعاصرة، وتغنى بها الحزازة العامري وأنس بن مدرك الأكلبي والرداعي النخعي المذحجي في أرجوزته.
وللأمانة يشهد إنتاج التمور في محافظة بيشة تراجعا كبيرا، رغم وصوله لدول عالمية كالهند، لأسباب عدة، نوجزها في التالي :
١- تأثير الحروب، فاليمن كمستهلك لتمور بيشة منذ القدم، شهد خلال هذه الفترة قلة على طلبه بسبب الوضع على الحدود، والوضع في نجران كمسوق لتمور بيشة في اليمن.
٢- ارتفاع نسبة الملوحة وانتشار آفات وأمراض النخيل بكثرة في الأونة الأخيرة.
٣- تقلص إعداد المزارعين من أبناء بيشة، والاعتماد على العمالة الأجنبية في زراعة النخيل بها.
٤- كثرة الحرائق في المزارع في الأونة الأخيرة، ودورها في تدمير مساحات زراعية كبيرة فيها.
٥- منافسة محافظة بيشة من قبل المحافظات والمناطق الأخرى التي نجحت فيها زراعة النخيل، بعد اكتشاف مخازن المياه الجوفية العميقة فيها، وكذلك نجاح زراعة النخيل في الهند والصين وأمريكا.
٦- ضعف الوعي لدى المزارعين في زراعة النخيل وطرق الاستفادة منها وتطويرها وتحسين جودتها .
٧- ضعف الدعم الحكومي لصغار المزارعين ، وتوفير سبل النجاح لزراعة النخيل في بيشة، وحماية المزارع، وتوفير احتياجاته حتى يقف على قدميه .
٨- الاستهلاك البشري للمياه الجوفية السطحية في محافظة بيشة، مما أدى إلى جفاف كثير من مناطقها كأسافل بيشة من جهة الشرق، أو ما يسمى بسفايل بيشة كناية لمناطق شرق وشمالي شرقيها .
٩- استبدال زراعة النخيل في محافظة بيشة بزراعة المانجا والعنب والتين، لجدوي زراعتها وارتفاع ناتجها المادي أو الاقتصادي .
١٠- تأجير كثير من المزارع للعمالة الأجنبية مما أدى إلى انخفاض جودة المنتج.
١١- تحويل كثير من الأراضي الزراعية إلى مخططات سكنية، أدت إلى تمدد النطاق العمراني على حساب الأراضي الزراعية.
في الختام ارجو أن لا يأتي اليوم الذي تكون فيه بيشة محافظة مستوردة للتمور لا موردة له، وأتمنى أن يكون شعارنا في مهرجان صفري بيشة للسنة القادمة بإذن “ازرع ولا تقلع”.!
*رئيس قسم العلوم الاجتماعية والتربية الوطنية بمحافظة بيشة
ومنسق الجمعية الجغرافية لدى جامعة بيشة