بقلم / سميه محمد
الحجر الأسود له مكانة مقدسة في قلوب المسلمين ، و قيمة عظيمة من الناحية الدينية ..
كذلك يعتبر له تاريخ خاص تميز به ، وأحداث مرت عليه سطرت بدماء من دافعوا عنه ، و سجلت بمحبة من أهتم به ، و حافظ عليه ..
البعض من المسلمين يعرفون عن الحجر الأسود معلومات محصورة في أمور محددة لا تشفي غليل من يريد أن يعرف تفاصيل دقيقة عن الحجر الأسود لذلك لنحكي قصة الحجر الأسود من الألف إلى الياء ..
في البدية يجب أن نشير ان هناك رويات تقول ان أول من بنى الكعبة هم الملائكة و اختلف العلماء على مسألة من اول من بنى الكعبة ؟!
هل هم الملائكة ؟ أم آدم عليه السلام ؟
قيل والله أعلم كانت الأرض مغمورة بالمياة ثم أظهر الله جزء من الأرض وهو الجزء الذي فيه مكة حيث بنت الملائكة الكعبة .
يقول صلى الله عليه وسلم :
( كانت الأرض خشعة من الماء فدحيت منها الأرض )
الخشعة المنطقة الصغيرة و قد ظهرت من خلال بركان حدث في الماء ثم ظهرت هذه القطعه الصغيرة دحيت منها الأرض اي كورت ..
أمر الله تعالى آدم ببناء الكعبة و عندما أتم البناء أنزل الله له من الجنة الحجر الأسود وقيل ان الحجر الأسود نزل مع آدم من الجنة و كان من احجار الجنة و ياقوتها وكان لونه أبيض صافياً إلا أنه أسود من ذنوب العباد ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( نزل الحجر الأسود من الجنة و هو أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا بني أدم )
وقال صلى الله عليه وسلم :
( الركن و المقام يوقتتان من يواقيت الجنة و لولا أن الله طمس نورهما لأضائتا مابين المشرق و المغرب )
فوضع آدم عليه السلام الحجر الأسود في الركن الشرقي من الكعبة ..
ثم بنى الكعبة شيث و هو من أبناء آدم عليه السلام و كان نبياً عليه السلام ..
ثم جاء عهد نوح عليه السلام الذي وقع فيه الطوفان فدمر البيت فوضع الله تعالى الحجر الأسود في جبل قبيس ..
ثم جاء عهد إبراهيم عليه السلام فأمره الله تعالى ببناء الكعبة فقام بالبناء هو و أبنه أسماعيل عليهما السلام فلما وصل إبراهيم إلى الركن الشرقي من الكعبة قال لأسماعيل :
أذهب و أبحث عن حجر صغير حتى يكون بداية الطواف فأخذ أسماعيل يبحث فلم يجد فرجع إلى أبيه فلما حضر رأى أن إبراهيم وضع الحجر الأسود في الركن
فقال اسماعيل :
من أين جلبت هذا الحجر
فرد عليه إبراهيم :
أعطاني أياه جبريل عليه السلام بعدما جلبه من جبل ابو قبيس ..
وضع الحجر الأسود ثلاثة أرباع منه موجوده داخل الكعبة و يظهر للناس رأس الحجر ..
قبل النبي صلى الله عليه وسلم أعيد بناء الكعبة ثلاث مرات في عهد العمالقة ، جرهم ، قريش ، ومن الواجب ذكر القصة المشهورة عندما انتهت قريش من بناء الكعبة أختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في مكانه لقداسته لديهم فكل واحد منهم يريد أن يكون له شرف حمل الحجر الأسود ووضعه في مكانه أشتد الخلاف بينهم حتى كادوا يقتتلون فيما بينهم فأشار أحدهم عليهم ان يحكم فيهم اول من سيدخل من باب الكعبة فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم و عمره في ذلك الوقت خمسة و ثلاثون سنة .
فقالوا :
هذا الأمين محمد رضينا به حكماً
فلما عرف منهم الخبر قال لهم صلى الله عليه وسلم :
أئتوني بقطعة قماش فجلبوها له فوضع الحجر الأسود على القماش في الوسط فطلب ان يأخذ كل رجل من كل قبيلة جزء او طرف من قماش هذه القطعة ففعلوا ذلك فحملوه فلما وصلوا إلى مكان الحجر الأسود حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه الشريفتين فوضعه مكانه ..
تذكر بعض السير ان الشيطان جاء متنكر على هيئة شيخ نجدي فقال لهم :
كيف ترضون برجل يتيم ليس لديه مال ولا سطوة تجعلونه هو من يضع الحجر الأسود و يتقدمكم فلم يلتفت إليه أحد ولم يستمع إليه أحد لذلك لم يجد له أحد ليشعل فتيل الفتنة ..
وقيل ان اليوم الذي وضع فيه الحجر الأسود في يوم الأثنين .
بعد خمس سنوات من هذه الحادثة بعث الرسول صلى الله عليه وسلم رسولاً للعالمين ..
تعرض الحجر الأسود لحرقين الأول في عهد قريش .
والثاني في عهد عبدلله بن الزبير بسبب مهاجمة جنود الحجاج بأمر منه على الكعبة بالمنجانيق وهم يحاصرون الكعبة في أمارة عبدالملك بن مروان ،
أحترق الحجر الأسود في عهد قريش فأصبح لونه أسود ،
و لما أحترق في عهد عبدلله بن الزبير انفلق وانشق إلى ثلاث قطع فجمعه عبدلله بن الزبير بالفضة فهو أول من جمعه ..
في عام ( ٣١٧ ) عهد القرامطة أعتدوا على الحجر الأسود فنزعوه و أخذوه معهم في منطقة القطيف من الاحساء في ذلك الوقت و بقي عندهم قرابة ( ٢٢ ) سنة ..
وحكاية القرامطة بالتفصيل أنه بعد ضعف الدولة العباسية ظهرت كثيراً من الحركات التي تدعوا للخروج على حكم الخليفة العباسي ،
أغلبها من الشيعة و الأكثر تأثيراً هي حركة الأسماعيلية ،
في عام ( ٢٥٨ ) ظهر رجل أسمه حمدان قرمط الذي نسبت إليه حركة القرامطة ظهر في واسط كان متقشف أحبه الناس بسبب تعامله الحسن ثم أدعى أنه رسول من الإمام الغائب اي ( المهدي ) ولكن لم يجد رواجاً لدعوته فلم يسمعه الناس و لم يهتموا به بعد ذلك أرسل سعيد الجنابي فارسي الأصل إلى هجر الاحساء والقطيف ليدعوا الناس فلما رأى أهل هجر يصلون خمس صلوات فأخذ ينهاهم و يقول : صلواتكم خمسين صلاه فشكوه الناس إلى الوالي فسجنه وكانت هناك جارية أشفقت عليه فأطلقته فلما رأوه الناس قالو : من اطلقك
فقال : اطلقني الإمام فأنا سر الإمام المهدي فبدأت دعوته تنتشر في الاحساء والقطيف من عام ( ٢٥٨ ) إلى ( ٢٨٦ )
وكانوا يدعون كل على دينه فكانوا يدعون المسلم على حسب مذهبه ، و يدعون النصارى بالإنجيل و عيسى عليه السلام ، و يدعون اليهود بالتوراة و موسى عليه السلام ، و اعتمدوا في نشر دعوتهم ايضاً ان هناك من الناس مظلومين قد سلب وزراء الدولة حقوقهم ولابد أن تصلهم حقوقهم بعد القضاء على الفساد فأخذ الجنابي يهجم على القوافل ويسلبها ويوزع مايسلبه على أهل الإحساء و القطيف فاتبعه بعض الناس ممن طمع بالمال والبعض الآخر أتبعه من أجل التعصب والحقد ..
تطور الجنابي في سفك دماء الأبرياء و سلب ممتلكات ليست من حقه وبلغ به الأمر ان يهجم على قوافل الحج يقتل و ينهب ومع الأسف أتبعه كثير من الناس وانضم إلى جنده كي يقاتل معهم ..
تأثر القرامطة بمذهب مزدك الفارسي ولا يوجد قانون لهذا المذهب او عرف فهو أساسه الإباحية فكان من أقواله لا تحجب زوجتك عن أخيك او مالك فمباح ان يشترك الرجل في كل شيء مع رجل آخر حتى في الزوجة فلا غيرة ولا نخوة لهذا المذهب ، كذلك عندهم ليلة يختلط فيها الرجال والنساء وأي رجل يمسك بأمراة تصبح ملكاًله فكانوا أحط من الحيونات في أتباع شهواتهم و متعهم الشاذة ..
أستمرت هذه الحالة المزرية وان قالوا انهم مسلمين فحقيقة الأمر ان هؤلاء لا دين لهم ولا ملة ودينهم الحقيقي هو جمع المال والثروات ثم أقامة سلطة بالقهر والاستبداد و غايتهم الأولى هو حقدهم الأزلي على الإسلام و معتنقيه ، وقد بلغت بهم الجرأة مبلغها في اعتدائهم على كل شيء حتى إن الحجر الأسود حجر الجنة لم يسلم منهم ..
أوصى أبو سعيد الجنابي بالخلافة من بعده إلى أبنه وهو أبو طاهر القرمطي فلما استلم الخلافة كان مثلاً صارخاً للطاغوت فقد افترى على الناس وقتل فيهم مقتلة عظيمة حيث طلب من الخليفة العباسي ان يعطيه البصرة والاهواز فرفض الخليفة طلبه فأخذ يهدد ويتوعد إن لم يأخذ البصرة والاهواز سيقتل الحجاج فرفض الخليفة طلبه للمرة الثانية لذلك بدأ يقتل الحجاج فلم يستجيب له الخليفة فقرر عام ( ٣١٧ ) الهجوم على مكة دخل الكعبة فقتل المصلين ، دمر بئر زمزم و الكعبة ، وأمر أحد جنده ليقلع الميزاب لكنه سقط و مات ثم صعد ابوطاهرإلى سطح الكعبة يقتل الناس و يرمي الجثث في بئر زمزم دون أن يشعر هذا الشيطان أنه بيت الله الحرام يقتل و يدمر لا خجل و لا حياء ولا خوف و هو يعتدي و يظلم و يعيث في الأرض الفساد هو مع زبانيته قادته و جنده الذين ينفذون اوامره دون أعتراض او كلمة حق يقولها أحدهم حتى يظهر إبداء الغيرة على الإسلام والمسلمين لكنهم مثله في الطمع و الحقد فكيف يعترضون عليه ..
ثم قال أبو طاهر قولته المشهورة :
أنا بالله و بالله أنا يخلق الخلق و أفنيهم أنا
ثم قال :
أين طير الأببيل أين الحجارة التي هي من سجيل ..
ثم أمر جنده فضربوا الحجر الأسود و أقتلعوه من الكعبة أخذوا الحجر ثم أرسلوه إلى منطقة القطيف في مكان يطلق عليه الجش منطقة زراعية تكثر فيها العيون والأبار وكان بها عين كبيرة تسقي بالماء جميع المنطقة ..
وضعوا الحجر الأسود في قصر أشبه بالقلعة و أدعوا أنها جنتهم وأنها لاتوجد جنة في السماء و دعوا الناس حتى تكون كعبة لهم يأتون لزيارتها و فوق كل منكراتهم و فضائعهم ينكرون البعث و الحساب ظل الحجر الأسود هناك ( ٢٢ سنة ) ويقال ان الدولة الفاطمية غضبت من القرامطة كيف ينتزعون الحجر الأسود فطلبوا منهم ان يعيدوه إلى مكانه فرد القرامطة أنهم لن يعيدوه فحدث قتال بينهم مع أنهم كانوا على نفس المنهج ولكن القرامطة انحرفوا عن الدين بعدما أستغلوه لأغراضهم الدنيئة ..
أعجب ابو طاهر برجل فارسي فوضعه خليفة وادعى أنه المهدي المنتظر فأخذ هذا الرجل يقتل في قادة القرامطة فعرف ابو طاهر أنه أخطأ فقال للناس :
هذا الرجل ساحر خدعني حتى وضعته خليفة
ليس ساحر انما هو تلميذ الشيطان أبو طاهر بعد أن تمكن مثله يريد الكل و لا تكفيه القسمة فتسلط القرامطة على بعضهم و دب الخلاف بينهم فكانوا أشبه بالدينصورات التي أخذت تبيد بعضها من أجل البقاء حتى فنت جميعها ..
بدئت الحقائق تتكشف للناس و الغشاوة التي على أعينهم و قلوبهم تنزاح فعرفوا أطماعهم فلم يتبعهم إلا جاهل او حاقد او محب للمال و السطوة حركة حاقدة تريد الإنتقام من الإسلام ولم تقم على أساس فهي ليست دولة أنما هي مجرد حركة أشبه بقطاع الطرق و العصابات ليس لهم قوانين او مبادىء حطموا القيم و المعاني والرحمة و العدل فكان القرامطة كخنجر مسموم أنغرس في خاصرة الإسلام وظل بها ( ٢٢ سنة ) يحاول أن ينشر السم في أنحاء الجسم حتى يصل إلى القلب و قبل أن يصل السم إلى القلب سلط الله عليهم أنفسهم ثم ظهرت قبيلة العينيون العربية التي يرجع نسبها إلى الأمير عبدلله بن علي بن محمد العيوني نسبة إلى مدينة العيون شمال الإحساء ..
حدثت مناوشات بينهم وبين القرامطة لم يتمكنوا العيونيون منهم في البداية خاصة أن بعض القبائل العربية بقيت متفرجة لترى لمن الغلبة في النهاية فأرسل الأمير عبدالله إلى السلاجقة للتحالف معهم ضد القرامطة فرحب بذلك الملك السلجوقي ملك شاة فأرسل مدد للعيونيون ، قاتل الأمير عبدلله مع جنده أضافة إلى حلفائه السلاجقة حتى تمكنوا من القضاء على القرامطة و أختفاء حركتهم إلى الأبد …
الحجر الأسود رأسه فقط لونه أسود اما باقي أجزائه فبيضاء ، قال محمد بن نافع الخزاعي :
عندما رد القرامطة الحجر الأسود سنة ( ٣٣٩) عاينته قبل وضعه مكانه و هو مقلوع فأذا السواد في رأسه فقط و باقيه أبيض و طوله قدر ذراع ..
وقد رد إلى الكعبة بعد اجتماع علماء و خلفاء و شيوخ الجزيرة العربية وعرضوا على القرامطة خمسين ألف دينار فوافق القرامطة فجلبوا حجر مزيف ليحتالوا ،
فقال العلماء :
ان له علامة يطفو فوق سطح الماء ولا يسخن مع النار ،
فجلب القرامطة وعاء فيه ماء و اوقدوا ناراً فلما وضعوه في الماء سقط ولم يطفوا ولما وضعوه في النار سخن حتى تشقق ،
فقال العلماء هذا ليس حجرنا ،
فلما وضع القرامطة الحجر الأسود في الماء طفا ولما وضعوه في النار لم يسخن ،
فقال العلماء :
هذا حجرنا فأخذوه …
في عام ( ٣٦٣ ) قام أحد رجال النصارى دخول الكعبة وكان في يديه آلة لكسر الحجارة والذي يطلق عليه قديماً = الدبوس = فلما وصل إلى الحجر الأسود ضربه مرات عديدة فأصاب وجه الحجر وكان لدى أحدى الطائفين خنجر فطعنه به فقتل ذلك الرجل ..
في عام ( ٤١٣ ) جاء رجل من العبيدية والتي تطلق على أصحاب الدولة الفاطمية و معه عشرين رجل ليحموه داخل الكعبة فلما وصل إلى الحجر الأسود ضربة( بالدبوس) فتكسر فتطايرت منه ثلاث شظايا ..
عام ( ١٠٣٩ ) هدمت الكعبة بسبب سيل عظيم فقاموا بعمارتها و كان ممن حضرها الإمام علان مكي و قد سجل مراحل عمارتها بالتفصيل مما قاله :
شاهدت الحجر الأسود بالمعاينة لون مايستتر من الحجر الأسود في العمارة داخل الكعبة أبيض بياض حجر المقام وذكر طوله ذراع ، وقد هدمت الكعبة عام ( ١٠٣٩ ) وهناك جبل قريب من الكعبة سمي بجبل الكعبة وسمي كذلك لأنهم أخذوا الحجاره من ذلك الجبل و بنوا به الكعبة ..
في عام ( ١٣٥١ ) جاء عهد الملك عبدالعزيز مؤسس المملكة العربية السعودية و موحدها رحمه الله و طلب من بني شيبة ( و هم سدنة وحاملين مفتاح الكعبة من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث بعد فتح مكة أعطاهم الرسول مفتاح مكة وقال صلى الله عليه وسلم :
لا يأخذه منكم إلاظالم )
طلب منهم ان يصنعوا مركب يتمكنوا ان يجمعوا به قطع الحجر الأسود فوضعوا خليط من المسك و مركب لونه أحمر فلما خلطوه أصبح أشبه بالعجين فثبتوا فيه الأجزاء المبعثرة من الحجر الأسود ..
القطع الموجودة في الحجر الأسود ( ٨ ) ومجموعها الكامل قيل ( ١٣ ) أو ( ١٤ ) ،
( ٦ ) قطع توجد الآن في دولة تركيا تم أخذها في القرن السادس عشر خلال حكم الإمبراطورية العثمانية على الحجاز ،
( أكبرها ) موضوع فوق باب ضريح السلطان سليمان القانوني ،
( ٤ ) قطع موجودة في مسجد صقلي محمد باشا بأسطنبول ،
و توجد ( قطع في أماكن متفرقة ) مثل جامع السلطان أحمد المعروف بالجامع الأزرق و مسجد أدرنه ..
حلل بعض العلماء قطع من الحجر الأسود فوجدوه لايغرق بالماء بل يطفو ، ولا يسخن بالنار ، وقيل ان له تركيبة كتركيبة النيازك ، وقيل أنه عقيق تحول إلى ماهو عليه والله أعلم …
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
والله أعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك فلذلك أنا أقبلك .