بقلم حسن بن عايض ال معدي
تقول: عندما كنا نسمع صوت مفاتيح أبي في الباب قادماً من الخارج كنا نهرع إليه وكأنه مفاجأة نراها لأول مرة، كان أبي مفاجأة كل يوم، كنا نسمع صوت الأكياس بيده ليس ككل الأصوات. صوت الأكياس بيد أبي مختلف؛ ممزوجٌ بالعطاء ومليء بالتضحية. كنا نتهافت لحضنه على عتبة الباب وكأننا نحضنه لأول مرة، وفي وجهه الابتسامة التي يملؤها إرهاق يوم عمل شاق، لم يكن يُشعرنا بأنه مهموم أو متألم ولم نعلم أنه بوظيفة متواضعة إلا بعد أن التحقنا بأعمالنا وفَقِهْنا معنى السلالم الوظيفية. لم يُشعرنا يوماً بأنه محتاج وكان يلبي طلباتنا بكل عطاء ويهرب من بعضها هروب المتعفف الذي لا يُشعر مَن حوله بضيق الحال. كان حضن أبي مجلسنا الكبير؛ كنت أجلس أنا وإخوتي فيه وكأننا في الجنة، نلعب في شعر رأسه ولحيته ونسرق التمر من يديه لنأكل ويضحك؛ كأنه هو الذي أكل!
رائحة أبي لم تفارق أنفي منذ طفولتي، رائحة الطيب وبقايا العود. آآه كم كان ذلك الحضن يُشعرنا بالأمان. كان أبي في نظري رجل الشرطة والمطافئ والإسعاف، كان وزير المالية أيضًا. كنا نتسلل إلى جيب ثوبه لنتزود ببعض الريالات التي تركها عنوة ليشبع فضولنا. كان طبيبَ العائلة الذي نعرض عليه كل أوجاعنا فيتحسس بيده مواضع الألم ويتمتم (ليته فيه)، كان يداوي حتى أرواحنا!
أبي سندي وعزوتي وكتلة الأمان التي فقدناها..
أبي عندما فقدناك انْهَدَّ بنا مثلث العائلة (الأب، الأم، الإخوة) ولم يعد لنا مثلثُ أمان..
أبي لعلك في الجنة تمرح.. نحن بعدك نعاني..
قلت لها: لا تُلامين في حب سور المنزل وحاجب الهم وملهم الروح.. الأب قيمة وأمان لا يشعر به إلا من فقده..
حفظ الله لنا الأحياء ورحم الأموات وجمعنا بهم في الجنة.
لافض فوك وسلمت اناملك