قَدَرُ «وُزَراء».. أم.. قَدرُ «وزارة»؟
في ساعة متأخرة من مساء ما قبل البارحة أقيل وزير الصحة، ولسوء حظه أن المجتمع السعودي في اليومين الماضيين تداول مقطعاً لزيارة تفقدية قام بها لأحد القطاعات الصحية شمال المملكة فرُبِطت الإقالة فوراً بتفاصيل المقطع المتداول، والتي كان في جزء منها ما يمكن أن يصنع الإثارة، على رغم أن المصادر المباركة والتي يغني عليها الشعبيون من محللي القرارات المحلية أجادوا فيما بعد صياغة التأكيدات وترتيب بضعة أسطر بوصفها الأسباب الحقيقية وراء إعفاء وزير من منصبه عقب 71 يوماً من حمله الحقيبة الصحية التي لم تعد تغري أحداً، ولو كان بيدي من نصيحة للوزير المكلف الحالي لقمت بتغيير الطاقم المجاور، وإعفائه من باب أن تجاربهم مع بضعة وزراء في زمن وجيز كافية لمغادرة الكراسي، ومن رافقهم من أصحاب الكراسي ذات القدرة على فعل ما لم يفعله وزير مغادر، والتغطية الموقتة على ما قد يسهم في توديع وزير حالي للمشهد بصمت، وببراءة شديدة فإنه يصح ويصبح القول بأن أكثر الوزارات الوطنية إخافة هي وزارة الصحة في ظل أنها الوزارة التي بات الجلوس على كرسيها المثير لا الأثير محسوباً بالأيام والشهور أصابع اليد الواحدة، أما حساب السنوات فيبدو أنه أغلق من حسابات صناع القرار.
وعوداً على ممارسي التحليل الشعبي من باب الغضب على كل شيء، والتطبيل لكل شيء والادعاء بخطورة وجودة المصادر الممولة للسبب والنتيجة قبل أن تكتب حتى بالحبر كإجراء رسمي أقول لهم: لن ولم يكن صانع القرار الوزاري في عمى كلي عن معرفة إلى أين يتجه وزير ما؟ ومتى يجب أن يبقى؟ ولماذا يغادر الآن بالتحديد؟ ربما تكون هناك أولويات عمل وحقائب أثقل من حقائب أخرى، وعلى هذا يكون التقرير والتغيير.
لست مدافعاً عن وزير سلّم ما بيده من أمانة، وإن كانت بمدة وجيزة جداً، ولن أتحدث عن وزير جديد سوى بالتأكيد أن إغراء البشت ورونق الحقيبة ولقب معالي أضواء لا أمان لها إن صاحبها فعل مختلف، وحضور فعلي، وابتعاد قدر الممكن عن الوعد أو القاطع بما ليس في اليد أو التخلي عن المسؤوليات التي هي في اليد، والمشهد الوطني العام أصبح سريع الضبط والربط والنقل والصقل.
نقطة التناقض في تعاطينا مع قرارات الإعفاء والتغيير والإحلال والتكليف أن بيننا ومعنا من ينفخ في المسؤول القادم للحد الذي يسافر به بعيداً عن صميم العمل والملفات المتورمة على الطاولة، ويجعله عاطفياً جداً أو بقدر أقل من التواضع، وهؤلاء ذاتهم يقسون على المغادر حين يذهب فجأة ويرون في مغادرته المساحة المناسبة للربط بين آرائهم السرية التي حادوا عنها لحظة التطبيل واستبدلوها بما يؤكد أنهم يطيرون مع أية نسمة هواء، الوزراء سيغادرون متى ما حانت ساعة اكتمال الرؤى والأوراق وقناعة صاحب القرار في المغادرة، الفارق في أننا لم نعتد على مغادرة وزير سريعاً، وهنا سر التأويلات والثرثرة المتجاوزة لإطار الحدث، والقادم من الأيام يستحق القول بأن تعيين الوزير في كرسي خدمي حَدَث أهم مئات المرات من الوهج الوقتي لإقالته، ولنا في الوزارة المربكة وزارة الصحة خير شاهد ودليل، فقد باتت كقطار يتم إنزال قائده.. فجأة، وعلى المهتمين بـ«القطار وخط سيره» التصفيق لقائد جديد.>