بقلم الكاتبة : سلافه سمباوه
بعض المواقف تدرك فيها أن كل شيء لن يعود كسابق عهده ، حتى أنت
حينما توفى والدي رحمه الله ادركت أن كل النور الذي أنا فيه انطفأ ، والقوة التي كنت فيها كسرت للأبد بلا رجعة ،
وعندما تعبت والدتي قليلا ، فجأة ، الأرض مادت بي ، وانا اتذرع القوة وابلع دموعي وهلعي
كل ما أفكر به أن تخرج والدتي بالسلامة التامة ، في هذه الاثناء كان خالي يقول لي : أي نعمة أنت فيها رمضان ويوم جمعة وصايمة وبجانب والدتك ، وأردف قائلا أن البر يساق فهو نوع. من الرزق
والله وهبك رزق كبير ، ونعمة سترينها في دنياك واخرتك .
لم أكن يوما أفكر بهذه الطريقة لم افكر مطلقا انني افعل كل شيء لأجل المقابل الدنيوي كبر أبنائي مثلا او لأجل المقابل في الاخرة كالجنة
جل ما افعل لأني اريد ان افعله اربي اولادي جيدا لأنفسهم ، اراعي والداي لأني اريد ذلك اريدهم حولي بسلامة وسعادة فقط ولأني أحب هذا فقط
شفيت والدتي بفضل الله وانتهى العيد ومازال كلام خالي يرن في عقلي يوميا ويخفق قلبي بشدة وانا بجانب أمي
بر الوالدين (دِين ودَين.. الأول يأخذك إلى الجنة.. والثاني يرده لك أبناؤك).
يقول الرسول عليه السلام (كل الذنوب يؤخر الله ما شاء منها إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله تعالى يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات).
تذكرت أننا رواية نحن من يكتب فصولها.. ويجسدها ويخرجها لنا أبناؤنا
فكما تُدين تـــُدان، أي هو دينٌ لا فكاك من الوفاء به، فمن عقّ والديه لا محال يجد العقوق من أبنائه.
كل ما تذكرت عصبيتي المفرطة انتحب ألما كيف تحملوني ، وكيف أنني الان عكس هذا تماما
أكاد أكون كالصقيع ، دمرتني وفاة والدي تماما قضت علي
ما أنفك خالي يردد هذه الاية : (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً). ويكرر (( يبلغن عندك الكبر )) في امانتك في كنفك في رعايتك ، وأن هذا الرزق ليس كل الأبناء يدركونه
وفي وقتنا الراهن، ومع تسارع وتيرة الحياة وتعقيداتها، شأنها شأن كثيرٍ من القيم التي أفسدتها العولمة، لم تعد العلاقات الأسرية، وارتباط الأبناء بآبائهم وأمهاتهم كما السابق، فقد أصابها الوهن، لدرجة بات معها البعض يرى أن آباءهم وأمهاتهم عالة عليهم ويجب التخلص منهم، مما يولد هاجساً مؤرقاً لكثير من الآباء والأمهات خشية أن يلفظهم أبناؤهم ويلقوا بهم على هامش الحياة.
وهناك الكثير من العواقب التي لا يلقي أولئك الذين لا يبرون بآبائهم لها بالاً، منها الحرمان من النظر للمولى عز وجل يوم القيامة كما جاء في الحديث: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، العاق بوالديه)، وانتظار ذات المصير من أبنائهم، أما مكمن الخطورة فيتمثل في أن يتحول الأبناء العاقون لنماذج لأبنائهم ويُتوارث العقوق
بر الوالدين باب مشرع من أبواب الجنة، ينادي ويدعو للإحسان للوالدين وبرهما والقيام بحقهما، حق الوالدين عباد الله من أعظم الحقوق وأكبر الواجبات وأجره من أوفر الحسنات، وبرهما شرف الدنيا وفلاح الآخرة.
أن الأب والأم ظلال في الأرض بعد ظل الله عز وجل وأنس ورحمة وقوة ورجاء وبركة، بر الوالدين بر وصلاح وإحسان ورجولة ومروءة، بر الوالدين كرامة ورفعة وسمو، الجنة تحت أقدامهما والبركة تنال ببركتهما، والحاجات تقضى والأمور تتيسر، كم شقيا لتسعد وكم سهرا لتنعم، هما سبب وجودك وأصل حياتك. وأحد الأبواب في الدنيا قد أغلق بوفاة والدي رحمه الله
أن من إشارات السعادة للإنسان في هذه الحياة الدنيا من يدرك والديه على قيد الحياة، فينهل من معين برهما ويرتوي من كيزان حنانهما، ويستظل بشيء رضاهم برضاهما، من يحسن لك بعد ربك ومن يتحمل التعب والعناء والجوع والعطش والمشقة من أجلك، أي حب هذا وأي إخلاص هذا، لا يكاد يوجد إلا عند الوالدين نحو أبنائهما.
أن الجنة ميعاد الله للأبرار وميراث البررة الأخيار، فيا لله ما أسعد من مات عنه أبواه أو هو مات عنهما وهما راضيان عنه ما أسعده وما أهنأه وما أشقى وأخيب من ماتا عنه والداه أو أحدهما وهما غاضبان عليه ما أضله وما أشقاه.
بر الوالدين رحمة وحصن حصين عن الأخلاق السيئة كالكبر والغلظة والعقوق والنكران، فما رأينا بارا بوالديه خبيث الطبع سيئ الخلق، وما رأينا خبيثا بارا متواضعا لأن البر عباد الله طبع متين طارد لخصال السوء والخلق الرديء، قال الله تعالى عن يحيى عليه السلام «وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا» وقال عيسى عليه السلام «وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقي أن البر أمانة يحملها الأبناء للآباء والأمهات ما داموا أحياء لا يتوقف البر ولا ينتهي ولا يشيب بل يزيد بل لا تزيده السنوات والأعوام إلا جمالا ورفعة وصلابة.ادركت أن البر عملا ليس سهل
إنه جهاد نفسي قوي ان تكتم المك وحزنك وخوفك أن تجاهد في تدليلهما ورعايتهما ، ان تراعي شعورهم وتستشعر مايودونه دون أن يطلبونه
البر رزق لا يطلب ولا تدري أي ابناؤك يبرونك حقا والعبرة بالخواتيم
لم اكن ادرك أنني محظوظة لهذه الدرجة كما قال خالي ، ولم أكن أدرك ان وفاة والدي ستغير تفكيري وقلبي وشعوري
هذه الوفاة جعلتني ادرك رخص الدنيا وأن القيمة الحقيقية في التفاصيل الصغيرة التي نفعلها لأجل الله وكل شيء زائل ولا شيء يدوم الا الخير الذي تفعله
اسأل الله لنا ولكم أن يعيننا على بر والدنيا ويرزقنا بر أولادنا
ما اروع كلماتك الصادقة