بقلم الأستاذة/ صالحة عبدالله القحطاني
في السابع من شهر أغسطس لـ عام 2015 وبهدوء وبلا وداع فارق المذيع السعودي “سعود بن عبدالله الدوسري” الحياة في العاصمة الفرنسية باريس إثر تعرضه لسكتة قلبية، هكذا جاء موته هادئاً وصامتاً كما كان هو في حياته، ومفاجئاً وصادماً لمحبيه.
الإعلامي (سعود الدوسري )تجاوزت شهرته السعودية ومنطقة الخليج ليصبح واحداً من ألمع الإعلاميين في العالم العربي، لم يتأثر بنجومية عاشها ولابشهرة واسعة عرفها، إنما ظلّ كما بدأ رزيناً وبشوشاً ومتواضعاً
امتدت مسيرة الإعلامي سعود الدوسري نحو خمسة وعشرون عاماً توقّف خلالها في محطات كثيرة ساهمت في تكوين شخصيته الإعلامية المميزة، بدأ بالعمل في إذاعة “القرآن الكريم” في السعودية، صوتاً شجياً لايُشبه أي صوت آخر ، الصوت الإذاعي العميق المليء بالأصالة وسلامة اللغة ومخارج الحروف صوتاً مميزاً حملته أثير الإذاعة الصوت الذي أسر قلوبنا قبل أن يأسرنا بإطلالته، وانتقل منها إلى العمل في عدد من القنوات العربية منها “أوربت” و” إم بي سي” و”ورتانا”، قدّم برامج منوعة مثل “حنين” الذي يسلّط الضوء على الفنانين العرب ، وبرنامج “ليلكم فن” المباشر من القاهرة ، وبرنامج توك شو من الرياض، وفي عام 2008 عاد إلى مجموعة mbc وقدّم من خلالها برنامج “نقطة تحول ” الذي استضاف فيه عدداً من الأسماء البارزة، وبرنامج المسابقات “تستاهل” وهو برنامج ثقافي شعبي تعتمد فكرته على تقديم خدمة إنسانية لأحد الأشخاص من خلال الإجابة عن الأسئلة المطروحة على الضيف.
وفي 2012 انتقل الإعلامي سعود الدوسري إلى قناة “روتانا خليجية ” وقدّم برنامجاً رمضانياً لعامين متتاليين بعنوان “أهم عشرة” ، واستضاف فيه عدداً من الأسماء المعروفة، وبعدها قدّم برنامج “ليطمئن قلبي” مع الداعية عدنان إبراهيم في رمضان
وكان آخر نشاط له في وسائل التواصل الإجتماعي رسالة من كلمتين “حضرتنا تعبان” مع صورة له بدا فيها مرهقاً بالفعل بالرغم من نظارة شمسية أخفت ملامح نظرة الحزن العتيق في عينيه وبدأ الشعر الأبيض يُغطي صفحة وجهه الضاحك أبداً، كانت تلك الصورة الوحيدة التي بقيت في أذهان أصدقاءه وأحبابه حتى اللحظة، بعد ليلة طويله شهدت رحلة سفر شاقة قادماً من الرياض اطمئن فيها على والدته.
وفي السابع من شهر أغسطس عام 2015 افتقد الإعلام السعودي الإعلامي الخلوق سعود الدوسري وضع بصمة في حياته استمرت محفورة في أذهان محبوه، وازدادت بصمته وامتد أثرها لأنها صادقه راقية لم يكن يحتاج- رحمه الله- لإثارة الناس ولفت أنظارهم بل قدّم رسالته الإعلامية بصدق وثقة، ووصل مجهوده من قلبه لقلوب الناس، ومازال أثره باقٍِ بقلوب محبيه.
كان آية في أخلاقه ،جميلاً في كل وقت وكل زمان، فاضلاً، سمحاً ،لطيفا ،كريماً ،و راقياً في كل شيء، محبوباً من الجميع ، لم يكن خصماً أو نِداً لأحد إطلاقاً بل كان خصماً لذاته كـ(بياض ونقاء قلبه) فكان رمزاً لكل ماهو جميل في الإعلام، رحل وبقي له في قلوب الناس الكثير من المحبة والإحترام.
“ليس مهماً كم سنعيش لكن الأهم كم سنترك من أعمال تعيش بعدنا هناك من يُغيّبه الموت لكنه يبقى حاضراً على الدوام بما قدمه عملاً وخُلُقاً فبعض الحضور لايُغيّبه الموت بسهوله”.
تسع سنوات مرت على فراق رمز من رموز الوطن، صاحب الصوت الذي لم يغادر أذهاننا، ومثلٌ يُحتذى به، أيقونة في النقاء والصفاء ،والأخلاق، والإحترام ،والأدب والهدوء ،والجمال الذي لايتكرر ،وأيقونة الإعلام العربي ،ومدرسة من تقديم البرامج التي لا تُكرر، محاور ومقدّم برامج من الطراز الرفيع كريزما وذائقة فريده تبقى خاصة به، وكأنه بالأمس رحل هكذا هم أصحاب القلوب الجميلة، والبصمة الفريدة، والأثر الممتد عطاءه، ونقاءه ذكرى خالدة لاتغيب،فهو باقٍ فينا لم يمت مكانه وإن وارتهُ أتربة.
رحل خاتماً حياته بذكر القرآن الكريم مثلما بدأ حياته بالقرآن حيث كتب آخر تغريدة له قبل وفاته ( ليس مهماً أن يكون في جيبك القرآن بل المهم أن تكون في أخلاقك آية.)رحل والملايين تدعو له بالرحمة والمغفرة، هذا الرجل “سعود الدوسري” الحب قدّمه والإبتسامة أدخلته لكل القلوب، نقاءه كان أكبر من أن يُغيّبه الموت.
ختاماً :
“يرحل(سعود الدوسري ) جسداً فيتذاكره الضوء في الظلام، والصورة في الحائط،والتاريخ ببصمته النادرة، ثم تبقى ملامحه وَشْمَ الزمن على جسد الوجود، وشماً يُشير دائماً إلى إعلاميٌ لايُغيّبه الموت بسهوله”