بقلم الكاتب / زارب علي آل معدي
أتحدث هنا عن العادات القبلية كجزء وشريحه مهمة في المجتمع ، ففي الزمن الماضي القريب الذي ادركناه كانت قضايا القتل تكاد أن لا تُذكر إلا ماندر ، ومن ثم قضايا المشاجرات الدموية كانت نادرة جداً ، ونادراً ما تسمع بها ، وفي هذه الأيام أصبحت المشاجرات الدموية ، وقضايا القتل ، حديث المجالس شبه اليومية ، في وقت نعيش به في مجتمع مسالم ، وآمن ليس به شئ من الخوف ، أو الحروب ، أو ضياع الحقوق ، ورغم أن الأجيال الماضية كانت في خوف وذعر نوعاً ما ، ولم تتلقى التعليم والثقافة والاطلاع كما تلقاه الجيل الحديث ، فماهي الاسباب ؟!
من وجهة نظر خاصة ، ونسأل الله العافية ، أن السبب عند البعض هو الفرق في العقول والتحكم بها ، والنضج في الرجولة ، والثقة في النفس ، وادراك المسئولية ، والنظر في عواقب الأمور ، وقبل كل ذلك الوازع الديني والخوف من الله .
لقد كان الأوائل من أجيال مجتمعنا الفاضل يحملون السلاح في كل مناسبة وقد يحمل عدة أنواع من السلاح في آن واحد مثلاً ( لبس الخنجر أو مايسمى بالجنبيه وربما بجانبها مسدس وعلى الكتف بندقية وبالكف الأخرى عصاء قوية ) ومع ذلك يتعرضون للاخطاء والمخاصمات في القرية أو في السوق والطرقات ، ولايُستخدم من تلك الاسلحة شيئاً ، حتى ولو بالتخويف ، لأن هناك ضوابط وإلتزامات عند الناس ، وعادات قبلية جيدة تمنعهم من التعدي ويتمسكون بها ، ولربما منطلِقَة ومؤيدة من أمور دينهم الاسلامي ولاتتعارض معه فعَن أبي هُرَيْرَة ﷺ عَنْ رَسُولِ اللَّه ﷺ قَال: لاَ يشِرْ أحَدُكُمْ إلَى أخِيهِ بِالسِّلاَحِ، فَإنَّهُ لاَ يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعَ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ متفقٌ عليهِ.
وفي رِوَايةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ: قَالَ أبُو الْقَاسِمِ ﷺ: مَنْ أشارَ إلَى أخيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإنَّ المَلائِكةَ تَلْعنُهُ حتَّى يَنْزِعَ، وإنْ كَان أخَاهُ لأبِيهِ وأُمِّهِ.
وحتى في البيع والشراء بالسوق أو بالمجالس والطرقات هناك شئ من التأدب والتحفظ ، والضوابط ، وقد لاحظت وشاهدت ذلك بين كبار السِّن من مجتمعنا كانوا يحذرونا من أن تؤشر بـ ( السلّة للجنبيه المسلولة ) أو تداولها بالمجلس ( برأس السلّة ) وانما تعكسها وتُسلمها بالنصاب أو بالقرن أو بالرأس ، حتى لاتصيب أو تؤذي بها أخوك المسلم وهذا من الدِّين الاسلامي ، وتعمل بها العادات القبلية الأصيلة فعَنْ جابرٍ رضي الله عنه قَالَ: “نَهَى رسُولُ اللَّه ﷺ أنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلُولًا”. رواهُ أَبُو داود، والترمذي وقال: حديثٌ حسَنٌ.
وكانت هناك بعض من بنود مايُسمى ( بالحق القبلي) اذا كانت هناك مخاصمة بين اثنين وأحدهما كان قد همّ بالقبض أو اشار الى ( رأس جنبيته الخاصة ) للإيهام باستخدامها وحتى ولو لم ينزعها من غمدها ، فمعناها تهديد وكاد أن يشهرها ويقتل بها ، فيلزمه حق ( يعني محاسبة قبلية معروفه لديهم ) في ذلك التصرف ! وهذا الامر يحد من هذه التصرفات ، فانظر الى تلك الضوابط التي تُحاسبك حتى على أدنى الأمور ، ومع ذلك أيضاً المجتمع وقتها يعيب عليك هذا التصرف ، فتجد الناس بأشد الحذر من استخدام السلاح ، إلا في الضرورة القصوى جداً جداً ، لحماية النفس أو الشرف والعرض فقط ، ونادراً ماتحصل ، وهذا من منطلق مفهوم الرجولة والمسئولية الناضجة ، وحساب العواقب ، والخوف من الله لتجنب مثل هذه الامور ، وقد حضرت بنفسي وشاهدت مخاصمة بين اثنين من كبار السِّن رحمهما الله قبيل عدة سنوات وأنا في طفولتي وكان أحدهما ( محتزم بخنجر ) والآخر ( بدون سلاح ) وفجأة قام الأخير بسحب ( سلة الخنجر لخصمه ) وألقاها بعيد منهما ، لاتقاء فتنة السلاح ، وتخاصما بالأيدي فقط ، لحين جاء من يفك الخصام ويصطلحا ، وفي قضية أخرى مشابهة ، أخبرني أحد الإخوان بمخاصمة اثنين لبعضهما البعض وهما يرتديان لباس ( سلاح الخناجر )فأدار كل منهما سلاحه لخلف الظهر ، حتى لاتُستخدم بينهما وقت الخصام ، فالشيطان بالمرصاد ، وانظر هنا لهذه العقول الزكية والمسئولة، فأخيك المسلم وابن عمك وحتى عابر الطريق ليس صيداً سهلاً تقتله ! فسوف يحاسبك الله بذلك وأمره عظيم ، في الدنيا والآخرة ، وبنفس الوقت لن يترك الطرف الآخر تصرفك هذا بكل سهولة أن تقتل غيرك وتعيش حراً ، وأصبح الوضع أشد بؤساً وقتالاً وفيه ظلماً .
ولذلك كانت الأجيال القديمة تتميز بنضوج العقل ، ومخافة الله ، وادراك المسئولية ، وما سوف تؤول اليه القضية ومحيطها ، بالدنيا والآخرة ، و ( كذا المجتمع كان له دور في تأنيب المخطي ) . فليتحكم الإنسان بقدر مايستطيع في نفسه ، وسلاحه ، الذي يحمله عزاً وشرفاً وأصاله ، وليس لقتل أقاربه أو جيرانه أو أخيه المسلم ، ولايُعتبر ذلك الفعل شجاعة ! فمن يمتلك السلاح سيقتل من أراد بضغطة زناد ، أو بغدر سكين حاد ، ثم يأتي الندم بعد ذلك حين لاينفع الندم ، ومن النِعمة أن يستخدم الإنسان عقله بالتأني وبالصبر وبما خُلِق له ، أما ما يحصل اليوم من ( بعض التصرفات ) المشينة لبعض أفراد مجتماعاتنا – هداهم الله – من مشاجرات دموية ، على أتفه الأمور ، وقتل النفس في أدنى قضية ، في ظل النظام والأمن ، وحفظ الحقوق ، فماهو إلا نقصان في العقل وسوف يُحاسب لامحاله بإذن الله ، ورأينا وسمعنا عن الكثير ممن يُطبق بحقهم الحكم الشرعي وبقوة النظام ، ( ولايضيع حق وراه مطالب ) ، ومع ذلك لاتأتي هذه التصرفات المُشينة إلا من ضعف الوازع الديني ، ( عند البعض ) وتجد بعض افراد مجتمعه قد يُشجعه على ذلك ، وكذلك ضعف التعليم والثقافة ( الحقيقية ) حتى وان كان ( جامعياً ) فالعقل مازال مغطى ، والتسرع في التصرف والغضب سبباً رئيسياً لهذه الفتن والمصائب ، وفقدان الوعظ والارشاد والنصح الجاد ، في أوساط المجتمع نوعاً من الأسباب ، وكذلك سهولة الحصول على السلاح ، وحمله في كل مكان ، في وقت لانحتاجه ، فالأمن قائم ، والشرع قائم ، والحقوق محفوظة ، والأنظمة قوية ، ولله الحمد والمنّة ، ونحتاج التعاون ، وتظافر الجهود ، للقضاء على السلبيات الاجتماعية بقدر المستطاع ، وحفظ الله حكومتنا الرشيدة ، وحفظ الله علينا نعمة توحيد البلاد ، واللُحمة الوطنية العظيمة ، والامن والايمان ، وهنا أرى أن هناك واجبات على المشائخ والنواب والمعرفين وخطباء المساجد والمعلمين والمصلحين والوجهاء والاعلاميين ، ووزارة الدعوة والارشاد ، وإمارات المناطق ، في زيادة بث التوعية حول خطورة هذه المشاكل ، عند البعض ، والبحث عن الاسباب ، وايجاد الحلول ، ونشر الوعي لدي البعض ، وعلى أفراد المجتمع التعاون ، والنصح بيننا البين ، حتى يبقى مجتمعنا هو القدوة ، وعدم تشجيع مثل هذه النعرات القبلية ، واستمرارها ، والله الواقي ، وبالأخير نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يعين كل مبتلي ، ويهدي كل ضال ، ويلطف بالعباد، ويعافينا مما ابتلاهم ، وصلى الله وسلم على محمد .