“شراء المديح “

بقلم ✍️الكاتب: لاحق بن عبدالله: الشبارقة 

مع اقتراب الصيف وكثرة مناسبات الأفراح والإحتفالات وفي مشهد أصبح معتاداً في معظم مناسباتنا حين يقوم بعض الأشخاص بدفع مبالغ مالية لشاعرٍ أومنشِدٍ ليقوم بمدحه أمام الحضور في شيلة أوقصيدة تُقال على الملأ وتُصاغ بألفاظ تمجيدٍ قد لا تمتّ للواقع بِصِلة•

يُرّفَعُ فيها الشخص إلى مراتب الملوك ويُجعل فيه من الخصال

ما لا يوجد في بشر•لا لشيء سوى أنه دفع المال وقال:

 

“هاك، وامدحني”

 

من حيث المبدأ، لا حرج في أن يُمْدَحَ الإنسان بما فيه من صفات طيبة وأن يُشكر ويُكرَّم في

المناسبات فهذا من باب الاعتراف بالفضل وحُسن المعاملة، وطيب النية.

 

لكن الخلل كل الخلل، حين يتحول المديح إلى مبالغات و”نفخ” مفرط يُفضي إلى الغرور

ويصنع من الشخص صنماً معنويًا يتعالى به على الخلق ويظن أنه

فوق النقد وأعلى من الجميع مكانةً ومنزلةً وقيمةً.

أين المشكلة؟

أولاً:

عند الشاعر أو المنشد الذي يقبل أن يبيع كلماته ويجعل من “فنّه” أداةً للمزايدة والتضليل .

فالشاعر صاحب رسالة لا تاجر كلمات ،والكلمة أمانة ومتى ما انحدرت إلى مستوى التكسّب الأجوف دون وازعٍ

من ضمير أو اعتبار للحق أصبحت عبئًا على السامعين وأداة لتغذية الكِبْرَ والغرور والغطرسة.

 

ثانياً:

عند الشخص الذي يطلب المدح وهو يعلم في قرارة نفسه أنه لا يستحق ما قيل لكنه يشتري تلك اللحظة من التمجيد ويغذّي نفسه بشعورٍ زائف بالعظمة وهذا أمر مؤسف ، لأن المديح إن لم يكن صادقًا انقلب على صاحبه وأفسد عليه تواضعه ونزاهة صورته بين الناس٠

 

المديح لا يصنع القيم

 

من كان عظيمًا في أخلاقه وكريمًا في عطائه ومحبوبًا في مجتمعه

لن يكون في حاجة إلى قصائد مدفوعة الثمن ولا إلى كلمات مستعارة فالمواقف، لا الشيلات هي ما تصنع الرجولة.

والأخلاق لا الأبيات هي ما يبقى في ذاكرة الناس

 

أما أن يشتري الإنسان المدح كما تُشترى الهدايا ثم يُقال فيه ما ليس فيه فهذا ضربٌ من التزوير والنفاق الإجتماعي البغيض .

 

فإلى كل شاعر يُغريه المال

وكل صاحب مناسبة يريد أن يصنع لنفسه مجدًا بكلمات منفوخة

اتقوا الله في الكلمة،فإنها مسؤولية.

وتذكّروا أن الناس أذكى مما تظنون ويميزون بين المديح الصادق والتصنع الرخيص .

اجعلوا مناسبات الفرح منصاتٍ لبث القيم الحميدة لا لتكريس الهياط والتفاخر والتعالي على النّاس.

 

ختامًا،أقول:

إن كان الرجل أهلًا للمدح ويستحق ، فليُمدح بما فيه بلا مبالغة ولا تزوير

وإن لم يكن كذلك فالصمت أبلغ من الكذب وأكرم من التزييف•

 

“ورحم الله اِمْرَأً عَرَفَ قَدْر نفسه”

‏ ‏

شاهد أيضاً

السعودية أنموذجاً للإنسانية 

بقلم/ حسن سلطان المازني  البعض يطلق كلامه دون تمييز ودون معرفة بما يقصده فياتيك واحد …

تعليق واحد

  1. أ. جواب برناردشو الشهير حين قال له كاتب مغرور :أنا أفضل منك، فإنك تكتب بحثا عن المال، وأنا أكتب بحثا عن الشرف، فقال له برناردشو على الفور: صدقت، كل منا يبحث عما ينقصه.
    الشاعر بنقصه المال، و المهايط ينقصه الشرف.
    شكرا مقال رائع موفق لاستاذ فاضل مجرب.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com