
بقلم/ علي أحمد لاحق عسيري
في السنوات الأخيرة، أصبحت الخلايا الجذعية محورًا رئيسيًا للأبحاث الطبية حول العالم، خاصةً في محاولات إيجاد علاجات فعالة للسرطان — ذلك المرض الذي لا يزال أحد أصعب التحديات الطبية في عصرنا.
ما هي الخلايا الجذعية؟
الخلايا الجذعية هي خلايا غير متخصصة بعد، لديها القدرة على الانقسام والتطور إلى أنواع مختلفة من الخلايا المتخصصة في جسم الإنسان. بمعنى آخر، يمكنها أن تتحول إلى خلايا عضلية، أو دموية، أو عصبية، حسب الإشارات التي تتلقاها. هذه القدرة الاستثنائية تجعلها مادة خام مثالية لعلاج الكثير من الأمراض المستعصية.
كيف يمكن أن تساعد في علاج السرطان؟
العلاقة بين الخلايا الجذعية والسرطان معقدة، لكنها تحمل جانبًا واعدًا جدًا. إليك بعض الطرق التي يعمل الباحثون من خلالها:
إصلاح الأنسجة التالفة: بعض علاجات السرطان، مثل العلاج الكيميائي والإشعاعي، تؤدي إلى تلف الأنسجة والخلايا السليمة بجانب قتل الخلايا السرطانية. هنا يأتي دور الخلايا الجذعية، إذ يمكن استخدامها لإعادة بناء الأنسجة التالفة وتجديد خلايا الدم، مما يحسن جودة حياة المريض ويقلل من آثار العلاج الجانبية.
زرع نخاع العظم: يُعد زرع الخلايا الجذعية المأخوذة من نخاع العظم علاجًا أساسيًا لبعض أنواع السرطان، مثل سرطان الدم (اللوكيميا) وسرطان الغدد اللمفاوية. بعد تدمير الخلايا السرطانية بالعلاج الكيميائي القوي، يتم حقن الخلايا الجذعية السليمة لتكوين خلايا دم جديدة.
العلاج المناعي بالخلايا الجذعية: هناك تجارب حديثة تستخدم الخلايا الجذعية لتقوية الجهاز المناعي، بحيث يصبح أكثر قدرةً على التعرف على الخلايا السرطانية وقتلها بشكل انتقائي. هذا المجال في تطور سريع جدًا وقد يصبح مستقبلًا بديلاً أقل قسوة من العلاجات التقليدية.
العلاج الموجه: العلماء يدرسون طرقًا لتحويل الخلايا الجذعية إلى مركبات دقيقة تُحقن في الجسم وتهاجم الخلايا السرطانية تحديدًا، دون المساس بالخلايا السليمة.
تحديات أخلاقية وعلمية:
رغم كل هذه الوعود، لا تزال هناك تحديات حقيقية أمام استخدام الخلايا الجذعية بأمان. من أبرزها احتمالية تحوُّل الخلايا الجذعية نفسها إلى خلايا سرطانية إذا لم تتم مراقبة نموها بدقة. كذلك، هناك نقاشات أخلاقية مستمرة حول مصدر بعض أنواع الخلايا الجذعية، خاصة الجنينية منها
كيف يتم نقل الخلايا الجذعية إلى جسم المريض؟
الطريقة الأكثر شيوعًا لاستخدام الخلايا الجذعية لعلاج مرضى السرطان هي ما يُعرف بعملية زراعة الخلايا الجذعية أو زرع نخاع العظم، وهذه العملية تمر بعدة مراحل أساسية:
جمع الخلايا الجذعية
أولًا، يتم جمع الخلايا الجذعية من مصدر مناسب:
• قد تكون من نخاع العظم نفسه (يؤخذ من عظم الحوض عادةً).
• أو من الدم المحيطي (تُحفّز الخلايا الجذعية لتخرج من النخاع إلى مجرى الدم ثم تُجمع عبر جهاز خاص).
• أو من دم الحبل السري (عادةً يُستخدم للأطفال أو في بعض الحالات الخاصة).
تحضير المريض
قبل نقل الخلايا الجذعية، يتلقى المريض علاجًا قويًا (كيماويًا أو إشعاعيًا) للقضاء على الخلايا السرطانية وتدمير نخاع العظم المصاب. هذا الإجراء صعب لكنه ضروري لإفساح المجال أمام الخلايا الجذعية الجديدة لتنمو.
نقل الخلايا الجذعية (الزراعة)
بعد التحضير، يتم حقن الخلايا الجذعية في جسم المريض عبر الوريد — يشبه الأمر نقل الدم العادي. الخلايا الجذعية تنتقل عبر الدم حتى تصل إلى نخاع العظم، وهناك تبدأ بالانقسام وإنتاج خلايا دم جديدة وسليمة.
المتابعة والرعاية بعد الزراعة
هذه المرحلة حساسة جدًا. يحتاج المريض إلى متابعة دقيقة لأن جهازه المناعي يكون ضعيفًا جدًا خلال الأسابيع الأولى. قد يحتاج المريض إلى أدوية لمنع رفض الجسم للخلايا الجديدة (إذا كانت من متبرع)، أو لمنع العدوى.
أنواع الزراعة:
🔹 زراعة ذاتية (Autologous):
تؤخذ الخلايا الجذعية من المريض نفسه قبل العلاج القاسي، ثم تُعاد إليه بعد انتهاء العلاج. هذا النوع شائع في بعض سرطانات الدم والليمفوما.
🔹 زراعة من متبرع (Allogeneic):
تُؤخذ الخلايا الجذعية من متبرع متطابق جينيًا (يفضل أن يكون قريبًا، مثل الأخ أو الأخت) وتُزرع في المريض. هذا النوع يُستخدم في الحالات الأصعب، لكنه يحمل خطر رفض الجسم للخلايا المزروعة أو حدوث مضاعفات مناعية
ما الذي يميز هذا الأسلوب؟
✅ يسمح بالقضاء على السرطان بجرعات علاج أعلى.
✅ يساعد الجسم على تجديد خلايا الدم التي دُمرت.
✅ يعطي فرصة لتقوية الجهاز المناعي ضد الخلايا السرطانية المتبقية.
هل هذه الطريقة مضمونة؟
الزراعة بالخلايا الجذعية تعتبر علاجًا قويًا، لكنها ليست خالية من المخاطر. قد تحدث مضاعفات مثل رفض الجسم، أو العدوى الخطيرة، أو فشل الزراعة. لذلك تُستخدم هذه الطريقة عادةً عندما لا تكون العلاجات الأخرى كافية لوحدها
أخيرا ،
يمكن القول إن الخلايا الجذعية تمثل أحد أكبر الأبواب المفتوحة في معركة البشرية ضد السرطان. هي لا تقدّم علاجًا سحريًا بعد، لكنها تفتح آفاقًا لأبحاث جديدة قد تغيّر مستقبل الطب وتمنح الملايين أملًا حقيقيًا في الشفاء والحياة.
علي أحمد لاحق عسيري
قائد زمالة تمريض الأورام بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، عضو جمعية زهرة لسرطان الثدي
عسير صحيفة عسير الإلكترونية