الحديث عن الهيئة ممتع ومستمر، ولكن سنخرج هذه المرة من الهيئة الأشهر إلى الهيئة السعودية للمهندسين، التي لا أزال مُصراً على أنها هيئة. قبل أربعة أيام بالضبط أُسدل الستار على انتخابات الهيئة في دورتها الرابعة، وامتلأت مقاعدها الخجولة بأعضاء جدد، وليت ربع الحماسة التي بُذلت من أجل خوض غمار الانتخابات والتربع على الكراسي العشرة، يُبذل من أجل تحسين العمل الهندسي والجهاد في سبيل إقرار الكادر «الحُلُمْ».
التجربة مع الانتخابات بشكل عام، وعلى أي صعيد، ليست بالتجربة المرضية، وأرى أن أي هيئة محلية لا تُقدم ما أسست من أجله خلال فترة زمنية معنية، أن تُلغى حتى لا نستقبل إزعاجها وحماستها الوقتية. المهندس السعودي يعاني كثيراً من دون أن يحتويه أحد، وآماله المعلقة بذمة هيئته الهندسية تلاشت من زمن، وأصبح لدى جمع غفير منهم ثقة عمياء بأن هذه الهيئة أشبه بفلاش ضوئي متعطل لفترات طويلة، هيئة المهندسين أعدت كادراً هندسياً لرفع المستوى المهني لكنها لم تراعِ التباين الوظيفي لهذه المهنة في الأجهزة والوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة، ابتكرت مسميات وتصنيفات لكنها، مع الأسف، لم تشرع في العمل المفصلي مباشرة، وهو إقرار كادر مالي يتضمن زيادة لكل من ينتسب للعمل الهندسي، ويؤدي أدواراً ميدانية وفنية قبل المضي في أي اجتهادات لم تطلب منهم، لكنهم قاموا على إضاعة القوت فيها لإقناع من يعتمد الكادر بأن الهدف القفز بمستوى المهندس السعودي. كثير من الوظائف المحلية تتمتع بكوادر مستقلة وبلا اشتراطات ولا معايير ونقاط وفلسفة كان يقصد منها تغليب حسن النية «الضبط» فكانت بمثابة «رَبْط» المهندس السعودي على وظيفة ضيئلة الراتب، وحرمانه من الاستفادة من مهنته ووقته خارج إطار عمله الرسمي، وفوق ذلك مطالبته بأن يصل للمثالية والنموذجية في عمله.
إقرار الكادر، أيها الهيئة العزيزة والنائمة منذ أن ولدت، لا يحتاج كل هذه الأجندة وكمية الفلسفة الزائدة على اللزوم، وإلا كيف أقرت كوادر وظيفية عدة، وفي أوقات متلاحقة وبمحفزات مذهلة، هل هذا يدل على أن المهندسين السعوديين الكبار يتناسون شركاءهم في المهنة فور ثرائهم وحصولهم على فرص وظيفية بمبالغ مغرية في القطاع الخاص، وبحكم التجربة والعلاقات يذهبون إلى مقاعد الترشح في الانتخابات، أم أن عائق المهندس السعودي للحصول على استحقاقاته وامتيازاته الوظيفية المنتظرة يكمن فيمن يمثله دوماً أمام معتمد القرارات، وللعلم فمن يمثله دوماً هم من مكتسحي المراكز القيادية في القطاعات الخاصة، وأصحاب المكاتب الاستشارية الخاصة ذات الثراء المتزايد. المهندس السعودي لا يريد كلاماً، ولا تنظيراً، ولا وعوداً، فقد مل كل هذا وصار يخاف من التجمعات والمطالبات كثيراً، لأن تبعث فيه حال من الانكسار، يريد من الهيئة أن توفر أوراقها وحناجرها وموازنتها وجلساتها وورش عملها وعلاقاتها وحماستها من أجل مطلب واحد «وهو اعتماد الكادر الهندسي وتفعيله»، أما غير ذلك فيقولون «مع نفسك يا الهيئة». >