في أحد الأيام، و بينا أنا استمع إلى أحد البرامج الشهيرة على أحدى المحطات الإذاعية المعروفة، توقف البرنامج من أجل فاصل إعلاني، وكانت تلك المادة عبارة عن ” كم” إعلان عن بعض السلع الاستهلاكية.
كانت كلها تهدف إلى إبراز السلعة كيفما اتفق ،السلعة في واد والحوار الإعلاني في واد آخر. حاولت أن اربط بينهما ولكن دون جدوى لم يفلح مخي المسكين على الاستيعاب البتة ، فإما أن أكون أنا غبي و” مش فاهم ” وإما أن يكون المسئول عن بث ذلك الإعلام له أهداف أخرى غير إبراز المنتج أو هو نفسه ” مش فاهم “، دعونا نرى مضمون الإعلان معاً :
رجل يدخل على زوجته وهي تشاهد التلفاز على أحد المسلسلات التابعة لدولة آسيوية وبعض أوروبية !.
سلسلة من المسلسلات التي سلسلت ألاف المشاهدين وغيرت مفاهيم وأفكار وثقافة الكثير من مشاهديها وشغلت العديد من أبناء الأمة ،( المهم ) يحدثها زوجها وهي لا تعيره أي اهتمام وتود التخلص منه بأي طريقة فهي منشغلة بذلك المسلسل … و بعد جهد جهيد وحوار غير متكافئ ، تدله على أن ” يأكل لبنة ” وهي بيت القصيد للإعلان ، ثم يكون حاله كحال زوجته – بعد أن يتذوق تلك اللبنة طبعا – وينهمك في مشاهدة مجموعة من المسلسلات التي كانت زوجته عاكفة عليها، حتى أنها لم تستقبله أو تنظر إليه في الأصل حين كان يحدثها … فيجلس على أريكة بجوارها ويختم الإعلان بسؤاله عن المسلسل الذي سوف يأتي بعد المسلسل الحالي الذي يشاهده .
السؤال الذي يرمي نفسه من أعلى برج في العالم هو : ما هو الرابط بين تلك ” اللبنة ” وبين المسلسلات ؟؟؟؟
حسنٌ سأجيبكم عليه ، في الحقيقة لا شيء سوى أنهما ينتميان إلى نفس البلد .
وهذا ليس من الإعلان في شيء ولا يمت إلى الترويج الإعلاني في شيء
ولكنه الاستخفاف بالمستمع أولا ثم بالمستهلك الذي ينجر وراء مثل هذه الإعلانات التي لا تراعي الذوق العام ولا تنظر سوى إلى مصلحتها المادية البحتة .
ثم إن هناك رسائل ضمنية في الإعلانات التي تبث على كثير من القنوات لا يفهمها إلا العارفون المتخصصون في عالم الإعلان والواعين المدركين لمغزى تلك الإعلانات التي لم يتواجه انتقادات بالشكل المطلوب والكافي من قبل المثقفين المناهضين لمثل هذا الغزو الفكري الذي يفتك بالمجتمع على المدى البعيد .
إنني أطالب الجهات المختصة المتمثلة في وزارة الإعلام أن تكف عن السماح لمثل تلك الإعلانات التي لا تستهدف الإعلان المعتدل عن السلعة كسلعة استهلاكية ولكن تستهدف بث أفكار وعادات وممارسات ليست من موجودة في إطار عادات وثقافة مجتمعنا المحافظ .
ذلك الإعلان ليس الوحيد من نوعه التي يبث على تلك المحطة الإذاعية، ولا على القنوات التي تتبعها تلك الإذاعة ولكنه حلقة في سلسلة ممتدة من الإعلانات والبث المستهتر بثقافة أمة بأسرها .
فمن الملاحظ، أنه لم يعد هناك أي اهتمام بالنسبة للأشخاص الذين يقومون سواء بإعداد أو بتقديم الإعلان ، ولا في اختيار الفكرة التي تتناسب مع المنتَج المراد الترويج له، ولا في والحوار الذي يؤديه الشخص أو الأشخاص، ولا في المكان والبيئة التي سوف يصور أو يذاع فيها… الخ.
فالمسألة أصبحت فوضى إلا علانية بكل ما تحمله من معنى ،المهم لديهم أن يذكر فيه اسم المنتج المراد الإعلان عنه، والملاحظ حتى أن المذيعين والمذيعات الذين يقدمون البرامج التي لا تسمن ولا تغني من جوع بأصوات لا ترتق إلى أن تكون في الأصل أصوات مذيعين أو حتى مقدمين، هم من يقومون بأداء الإعلانات والترويج عن المنتجات عبر بعض الإذاعات والمحطات الفضائية.
وهم بذلك يكسرون القواعد التي تنظم هذا المجال، فم تعد تسند مهام الإعلان إلى وكالات إعلانية متخصصة،والتي تعتبر مؤسسات مستقلة تقوم بتقديم الخدمات المتخصصة في مجال التسويق بصفة عامة وفي مجال الإعلان بصفة خاصة وذلك في مقابل عمولة ، كما هو متفق عليه في تنظيم النشاط الإعلاني .
والحديث عن هذا المجال فسيح جدا، ولا يمكن الإحاطة به في هذا العجالة، ويا ليت تلك المحطات الإذاعية والفضائية أن تحيط به قبل أن تقوم بالزج بنفسها في مجالات هي بعيدة عنها كل البعد، ولكن عملية تقليص النفقات هي من جعل الإعلانات التي تقوم بها تبدوا خداج وغير واضحة المعالم وفي أحيانٍ كثيرة إعلانات ” تفشل “.
فيا ترى هل سنضع كل شيء في نصابه الصحيح ، لتتضح الصورة ويسير كل شيء في المسار المرسوم له ؟
أم هل ستستمر تلك المسلسلات الترويجية والإعلان لها بـ” إياك أعني وأسمعي يا جارة “.
>