بينما كنْتُ أتجولُ ذات يومٍ في ردهات مدرستي التي أنتمي إليها إذ بعيني اليسرى تلمحُ عبارةً موجزةً مدوّنةً على حائط المدرسة الداخلي, جذبتني إليها, فوقفتُ أمامها وقوفاً طويلاً, أتأمّل بلاغتها, وأحلّلُ كلماتها, وأسبرُغورَ معناها ومايدلّ عليه, فأدركتُ حينئذٍ أنّ من البيان لسحرا وأيقنتُ أنّ البلاغةَ هي الإيجاز.
تقول العبارة:اغرس اليوم شجرةً تنمْ في ظلّها غداً.
كم هي جميلةٌ هذه العبارة!! وكم هي دالّةٌ على السموّ وتحقيق معالي الأمور, وباعثةٌ في النفس حبَّ الارتقاء, وتسلّق سُلّمٍ المجد للوصول إلى مراتب العظماء!! وكم هي محفّزةٌ عندما يتذكرها الطالب إبّان دراسته, وأثناء خوضه معترك الحياة!!. حقّاً, إنّها عبارةٌ ذهبيّةٌ عظيمةُ الأثرفي النفس المتطلّعة للرقي, تُنقش في الأذهان بماء الذهب, تحمل ألفاظاً ذات معنى سامٍ وسامقٍ لو استشعرهُ كل قارئ لتحرّكتْ مشاعره الراكدة, وصحتْ من غفوتها أحاسيسه النائمة, وناطحتْ همّتهُ الثريا, وغازلتْ أحلامه النجوم, وعانق طموحه السحاب واستثمر لحظات عنفوان الشباب.
هذه العبارة تصلح أن تكون شعاراً لنا في الحياة, نغدو معها ونروح؛ كي يعمّ السرورُ حياتَنا, ويجتاحَ الحبورُ أوقاتَنا, ونعيشَ في دنيانا أجمل أيامنا, ونهنأُ وقتَ حصادنا. فعندما ينفق أي إنسان منّا مرحلة شبابه في المثابرة والكفاح والكدّ والجدّ ويعلم أنّ طريق الراحة مليءٌ بالعقبات والمنحدرات الصعبة سيتذوق الشهدَ بعد حين, حتى وإن طال الزمن. فلابدّ دون الشهد من إبر النحلِ.
لو سأل كل إنسان نفسَهُ عن حاله في المستقبل ماذا سيكون وماذا سيؤول إليه؛ لوجد أنّ المستقبل مقرونٌ بالماضي, فمن كابد وجاهد نفسه في بواكير شبابه وصبر على مضض المنغصات, وكدر المعيقات, هدأ بالُه, واطمأنتْ نفسُه وارتاح ضميرُه في المستقبل؛ لأنّه صارع من أجل البقاء, لا من أجل الاندثار, فمن كانت بدايته مُحرقة كانت نهايته مشرقة.
فازرع لنفسك أخي الطالب شجرةً من الآن حتى وإن أعياك الحفرُ لها, وأقضّ مضجعك ريّها,غداً ستنمو وتكبر وتخضرّ أوراقها لتُغدقَ عليك بثمارها اليانعة, وتُفيأكَ ظلالها الوارفة.
إنّ في الحياة فرصاً كثيرةً باهظةَ الثمن تتهيأ للإنسان خلال حياته فبادر أخي الطالب باستغلالها واغتنم هذه الفرص أيّما اغتنام, وإيّاك إيّاك أنْ تؤجلها أو تؤخرها, فتعضّ أصابع الندم حين لاينفعُ الندم. قال الحكيم:
إذا هبّتْ رياحُكَ فاغتنمها…..فإنّ لكلِّ خافقةٍ سكونُ
* طالب دراسات عليا>