“لا تلوموني في هواها”

مساء السبت الماضي، كانت شرفات قلوب الأبهاويين تطل على مساحات واسعة من الود والحب والنقاء والاخضرار، وكان الوجوم ينزوي في ركن قصي مظلم، هو أجدر به، وكان الأبهاويون يتذوقون الطعم الحقيقي لمدينتهم المدنية بامتياز.

ليلة اجتمع فيها أكثر من ألف شخص من أهالي أبها رجالا ونساء، على اختلاف انتماءاتهم المناطقية والقبلية، وعلى اختلاف توجهاتهم الفكرية، وعلى اختلاف طرائق تفكيرهم فيما هو كائن، وطرائق استشرافهم لما سيكون، إلا أن لهم قلوبا لا تتمايز أو تختلف حول حب مدينتهم، وشعورهم أنها القاسم المشترك الذي يتحتم عليهم أن يتحلقوا حول ضوئه.. اجتمعوا ليقولوا لأنفسِهم: “أبها تجمعنا”، دون أن تكون لهم أهداف سوى اللقاء، فانهمر عليهم غيث الذكريات، وتقاطرت على أرواحهم أناشيد الجمال التي تظهر وتظهر كلما أُريد لها أن تغيب.. تظهر لأنها وطن وأهل وسكن وحياة.

اجتمعت نساء ورجال أبها في فندق قصر أبها، لا ليتحاوروا حول شيء، ولا ليؤدوا واجبا رسميا، ولا ليبحثوا عن منافع لهم، وإنما ليقتفوا أثر الحب بينهم، وينشروا ما خفي من حسن مدينتهم المتجدد بهم، كلما آبت إليها طيورها، وكلما حنت آذان أهلها إلى ترانيم من أناشيد الجبل المغرور بابنته الفاتنة.

الروح السائدة في ذلك المساء، كانت الحب لا سواه، والمشهد المتكرر ـ ألف مرة ـ هو العناق لا غيره، والحديث المتردد ـ على ألف لسان ـ كان “كنّا وكانت أبها”.

العدد الكبير من الحاضرين والحاضرات دون إلزام، ودون عتاب في حال التأخر، كان دليلا كالشمس على أن البلاد الجميلة تنفخ من جمالها في أرواح ساكنيها، فيتحدون عليها وبها، ليكونوا قلبا واحدا، برغم اختلافهم الظاهر.

المنظمون الرائعون ـ دون تحديد أسمائهم ـ كانوا يزدادون سعادة كلما لمحت أعينهم قادما جديدا إلى “حفلة” الحب، فكل قادم هو درجة أخرى تُضاف إلى المعدل التراكمي للنجاح الذي انتهى كاملا غير منقوص.

المكرمون في ذلك المساء، كانوا من معلمي ومعلمات أبها القدامى، بيد أنهم في انتماءاتهم الأصلية يعودون إلى كل جهات الوطن، لأن أبها المدينة المدنية لا تفرق بين ساكنيها، وإنما تراهم جميعا بنيها، لأنهم كلهم رضعوا من سحابها لقاحا زلالا، يحصنهم من أن يعشقوا أمًا سواها، ويوحدهم بها عليها.

اجتمع الأبهاويون دون أفكار مدبرة، ودون ابتسامات رمادية، ودون كلمات محقونة بالزيف. فقط اجتمعوا لأن أبهاهم تجمعهم، ولأن في قلوبهم فائضا كبيرا من الفراشات الملونة، وفي عقولهم مخزونا هائلا من الذكريات، وفي مدينتهم محيطا زاخرا من أسباب الاجتماع، ومضادات الفرقة.. فشكرا لعقول الفكرة، وشكرا لأيادي التنفيذ، وشكرا للمكنونة في خلايا ساكنيها.

>

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com