عن أثر المال في بنية القصيدة العربية

نال المال، بوصفه موضوعا، نصيبه ـ من الشعر العربي القديم ـ من خلال مقطعات مستلة قليلة وقصائد مستقلة أقل، وهذا يدعو إلى التساؤل عن بنية القصيدة العربية الطماعة؛ وكيف أن تحريك المال للشاعرية يدفع الشعراء إلى الخضوع لشروط البنية الشعرية للقصيدة العربية، فالقصيدة المدحية المستجْدية هي القصيدة الكاملة عند النقاد القدماء، أما شعراء الجمال المجرد فلم يكن لهم من ذلك نصيب، يقول أبو الفرج الأصفهاني عن أحدهم: “ولم يفد إلى خليفة، ولاَ وجدتُ له مديحا في الأكابر والرؤساء فأخمل ذلك ذكرَه”، فالمدح بحث عن المال، وهو يمثل سعيا اقتصاديا، ليكون بعضا من شعر الاقتصاد الذي تأثر في بنيته بالمال تأثرا حوّل القصائد إلى موضوعات مختلفة بعضها هامشي بالنسبة إلى الممدوح، لكنها تطيل المدحة وتضخم النص، حرصا على زيادة الجائزة.

وإذا أردنا تجلية هذه الفكرة، فإن نظرة يسيرة إلى بعض المقدمات لعدد من الشعراء تجعل الذهن يتجه إلى أن الحرص على الإطالة والتجويد التقليدي تكون واضحةً عند المتكسبين أكثر من غيرهم، فزهير والحطيئة يحرصان على تفصيل مشاهد الطلل لأنهما أقرب إلى النزعة التكسبية، أما حسان، ولبيد، والنابغة الجعدي فإن مقدماتهم موجزة، تجاوزا للحرص على التأثير الدافع إلى العطاء إلى الحرص على الموضوع نفسه.

ومهما يكن أثر المال في البنية الشعرية، فإنه أثر خارجي إذ لا تمثل المدائح الفعل الاقتصادي تمثيلا مباشرا، أما التجارب الاقتصادية الحياتية اليومية فقد تكون أكثر وضوحا عند امتزاجها بالوصف: كوصف المزارع، والإبل، والخيل، ومراحل الصيد، مما يجعل التصوير الشعري للمال أكثر وضوحا في القصائد الجمالية. وفي قصائد الشكوى والاحتجاج التي ارتفع صوتها في عصر بني أمية خضوعا لضرورات الحياة الجديدة، واضطراب النظم المالية، وهو ما ظهر جليا في الكثير من المقطعات الشعرية الاحتجاجية التي تزخر بها المصادر الأدبية، وتوردها المصادر دون ذكر القائل، في بعض الأحيان، لتأتي منفصلة ـ في الغالب ـ مما يدل على أنها نفثاثٌ شعرية تباشر موضوعها دون مقدمات أو خواتيم. ومن أمثلة ذلك مقطوعة عبدالرحمن الجمحي التي ينتقد فيها الخليفة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ بعد فتح إفريقية وتوزيع الفيء، ومقطوعة أنس بن أبي أناس التي أنكر فيها على مصعب بن الزبير إسرافه حين تزوج من عائشة بنت طلحة، ومقطوعة أبي الأسود الدؤلي في السخرية من التصرفات المالية لحارثة بن بدر، فالموضوع هو الذي يجعل الشاعر يلجأ إلى المقطعات، لأنها أشد تأثيرا، وأسهل حفظا، مما يضمن لها الرواج الذي يوصلها إلى المقصودين بها؛ لأنها رسائل احتجاج شعرية موجهة، لا تحتمل الإطالة أو زيادة الهوامش المعنوية الجالبة للسأم، وضياع المضمون.

>

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com