“طالع” يعاهد نفسه

انتقل الطالب الجامعي طالع عسيري، من هدوء قريته الريفية، المستظلة بظل الجبال العصية، إلى صخب المدينة. انتابته الدهشة من تعدد الاتجاهات، وكثرة الأخلاط؛ بشر يميلون إلى اليمين حيث التصنيف والإجحاف، وآخرون مع اليسار حيث اللامبالاة والإسفاف.. تحولت دهشته إلى حيرة، وسأل نفسه: إلى أي اتجاه أنتمي؟

أيقن أنه سينجرف إلى أحد التيارين، وكلاهما عنده بغيضان.. (هكذا حدّثته فطرته النقيّة).. ثم كتب على نفسه عهدا أن يلزم نقاءه مهما تجاذبته التيارات وأتباعها.. تناول قلمه وكتب على نفسه العهد الآتي:

“أعاهد نفسي، على أن أكون جديراً بـ “شريفة بنت عيسى”، بالانحياز إلى أصوات المفعمين بالصدق، الذين لا يتبعون وجوها تتناسخ في غبار العصر، ولن أستمع إلى الذين يرجون زجاجات الأنا ليقولوا متجاهلين كل الأعراف في “جامعة”: كل شيء لنا، ولا قرار إلا قرارنا، وسنطأ بالأقدام كل من لا يؤيدنا، على الرغم من أنه لا يؤيدهم إلا السذج من التابعين المستفيدين، وذوي الطموحات الأنانية الرديئة.

أعاهد نفسي، على أن أعرف مواقع النجوم التي فقدها البعض ذات غفوة ناعمة الوقت، زاعفة السم، فلم تتنبه لها عيون الصباح إلا بعد أن غيرت جلدها، وتناست بعض همزات الفحيح، فمحتها من أول شريط الصندوق الأسود، لكنها تبقى دليلا واضحا في ذاكرة المؤمنين النابهين الذين سيكتبون ـ بعد انقشاع الأثر ووضوح الرؤية ـ تاريخ التحولات والتراجعات، وسطورا عن “كلمة حق أريد بها باطل”، ليبقى الحقّ للحق، وأنا ـ إن شاء الله ـ من أولئك النابهين الذين يؤمنون بأن الله واحد، وأنه ليس للوطن ـ روحي فداه ـ إلا أهل الصدق معه.

أعاهدني، على الذهاب إلى أبعد من الأحلام، لأكون قادرا – بسلاح العلم والوعي – على سماع الصوت الذي يدلني على ما يختبئ لي وراء الأكمة، فأتمكن من زرع الشوك في جسد الظلام حتى يتخلخل. يا طالع.. إن يوم عهدك هذا، يوم سفر يمتد بامتداد العمر، نحو أمل لا ينتهي.. باتجاه سنوات من الوعي، لترى السلام على طريقك هناك، حيث تأمل أن تكون، وحيث تأمل أن يصير الوطن، وحيث يأمل الصادقون أن يكون كل شيء. يا طالع.. برغم اقتناعك بأن طريقك يبدأ من ذات صدق مع النفس، وبأنه كثير التعرجات؛ عليك أن تسافر نحو غيمات بها غيث لوطنك، حيث السماء تهيئ من زرقتها الفائضة للشباب آمالا جديدة، ليكون لك التألق وأنت تعبر الجسر نحو الحقيقة، ثم تستنطق قلبك، فيهبك لغة أنيقة على لسانك، وفكرا نيّرا في عقلك، وتعاملا متساميا في سلوكك، وإخلاصا في أدائك.

لك هذا ـ أيها الريفي ـ وأنت تستلذ الدهشة في طلاسم المحاضرات الأولى، حتى رشفة الفطنة الهانئة من إناء الفهم الذي آل إليه عقلك، لتعود إلى “شريفة بنت عيسى”، مرفوع الرأس.
>

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com