“رحلة الثلاثين عاماً”

عكفت ليلتين على قراءة: “رحلة الثلاثين عاماً: سيرةٌ ذاتيّة”، للدكتور زاهر بن عوّاض الألمعي، وهو أوّل أدباء عسير الذين كتبوا سيرتَهم الذّاتيّة, فضلا عن كونها سيرة مبكّرة بالنسبة إلى حياة الكاتب نفسِه, فقد أصدرَها سنة 1401هـ, سارداً أحداث حياته عبر ثلاثين عاماً تمتدّ بين عامي 1371, و1401هـ, مؤكّداً على أنّها سيرةٌ ذاتية.

عنوان هذا الكتاب يدلّ على وعي مؤلّفه بفنّ السيرة الذاتيّة مُصطلحاً, وأسلوباً, وتاريخاً, حيث تتجلّى رُوحُه العلميّة –بوصفه أكاديميّاً- في حرصه على الدقّة, وتحديد المصطلحات, يدلّ على ذلك قوله: “وسمّيتها رحلةً لأسجّل فيها ماخطَرَ ببالي من ذكرياتٍ وخطرات وعظات خلال الثلاثين عاماً, ولم أسمها مذكّرات, فإنّ المذكّرات مايكتبها صاحبُها في يومه ليعودَ إليها في غدِه بالدراسة والتحليل, والغالب أنْ تكونَ المذكّرات بمثابة وثائق سياسيّة أو تاريخيّة تُعني بتدوين الحوادث ورسم الخطط والمؤتمرات واللقاءات”, وقوله عن تاريخ فنّ السيرة الذّاتية في بلادنا: “وقد تردّدتُ كثيراً, وفكّرتُ طويلاً في الإقدام على نشرها لأنّ هذا النّمطَ من السّيَر الذّاتيّة غير مألوفٍ في بلادنا على الأقلّ في فترةٍ من الفترات”, ولذا حرصَ على ذكر أسباب نشر سيرته, مبيّناً أنّها كانت في البدء مدوّناتٍ خاصّة به, ثمّ إنّ أحد أصدقائه ألحّ عليه “بجمعها ونشرها لاحتوائها على معلوماتٍ وعظاتٍ وعبر”, تتمثّلُ – عنده – في: قصّة الصراع مع الجهل, وأهمّية الحرص على العلم, وعدم اليأس عند فوات التعليم في الصّغر, والإشارة إلى ملامح التطوّر الذي شهدته البلاد.

وعلى الرغم من أنّ الكاتب قد أشارَ في مقدّمته إلى أنّه يسرد سيرته ابتداءً من سنة 1371هـ, وهي السنة التي ارتحل فيها إلى منطقة جازان لدخول الجنديّة, إلا أنّه لم يغفل الكتابة عن ظروف نشأته الأولى منذ مولده سنة 1354هـ, , فكتبَ عن مسقط رأسه برجال ألمع اثنتي عشرة صفحة تحوي معلوماتٍ مهمّه عن منطقة رجال ألمع من حيث: الحياة العلمية, والحياة الاجتماعيّة, والعادات والتقاليد, وجغرافية المكان, ثمّ انتقلَ إلى حياة الجنديّة, واستقالته منها لأنّه كان يفكّر في مواصلة الدراسة, ثم عرض لرحلته إلى أبها, فالرياض, فشقراء, حيث درسَ بمعدها العلميّ, وذكرَ أشياخَه, وزملاءه, وطرفاً من قصائد ألقاها في مناسباتٍ مختلفةٍ حينئذ, ليلتحق بكلّية الشريعة في الرياض سنة 1382هـ, ثم فصّلَ القول في أحداث سنوات التدريس بمعهدي: أبها, ونجران العلميّين, والظروف السياسيّة التي واكبت وجوده في نجران, حتّى سافر من أجل استكمال دراسته العليا بجامعة الأزهر سنة 1487هـ, ليحصل على الدكتوراه سنة 1393هـ.

وتكمنُ أهمّية هذا العمل في: ريادته التاريخيّة, حيث يُعدُّ أوّل إصدارٍ سعوديٍّ في القرن الخامس عشر الهجري, وفي أسلوبه الواضح, ووعي كاتبه بالنّوع الأدبي الذي أقدمَ على كتابته، وما تضمّنه من أحداثٍ تاريخيّةٍ مهمّة, ومواقف لها دلالاتها الإنسانيّة, وحرصه على إدراجِ عددٍ من قصائده الأولى, وصورٍ من بعض قصائد أقرانه بخطوط أيديهم, وبعض الوثائق الصحفيّة لشيءٍ ممّا نشرته الصحف المحلّية عند حصوله على درجة الدكتوراه.

أدعوكم لقراءة هذا العمل، ففيه أشياء كثيرة تزداد أهمّيتها مع مرور السنوات.

>

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com