فلسفة الحب عند الزمزمي

كلما خطر لي أن أكتب شيئا عن فلسفة الحب، تذكرت الشاعر العسيري الراحل عبدالله الزمزمي، الذي وهب شاعريته للحب، فوهبه الحب إياها، حتى مات مثقل القلب بالحب.. والحب فقط؛ ذلك أن له فهما متساميا للعلاقة بين المرأة والرجل، إذ يرى في الحب المعنى الذي يهبه الحياة، ويجعل منها ألقا دائما، يأخذه إلى القناعة والعفة، فلا يأسره جمال النساء بوصفه جمالا خارجيا يلفت كل الأعين، دون تفريق بين جمال وجمال، ولذا فإنه يأخذ على أدعياء الحبّ، أنّهم يسرقون الأدلة على وفائهم، وأدلتهم تلك ليست سوى استراق لحظات لقاءات لا تتسق ومفهوم الحب عنده. يقول:

فالحُبُّ يا سَوسَني معنى أظَلُّ به

أَعيشُ في عالَمٍ دُنياهُ تأتَلِقُ

ما عَادَ يأسُرُني جِيْدٌ ولا خَفَرٌ

ولا يَمُرُّ بعينيْ منهما الأرَقُ

أَمَا ترينَ دُعَاةَ الحُبِّ في زَمَنِيْ

لَمَّا أَرَادُوا دَلِيْلاً للوَفَا سَرَقوا

وعلى الرغم من ذلك، يبقى الحب ـ عنده ـ شعورا ملازما للجنون، بل إنه دون جنونه يشبه ورْدا دون أكمام. يقول:

والحبُّ دونَ جنونِهِ مُتَخَلِّفٌ

كالوَرْدِ يَزْهو ما لَهُ أكْمَامُ

والحب – عنده – يشبه الروضة التي تشدو في أرجائها الطير، وينتشر أريجُها في كل الاتجاهات، وهو يجمع بين المشاعر والأحوال المتناقضة؛ فهو سببٌ في البهجة والبكاء في الآن نفسه، وهو باعث الألم والأمل معا، ومدر الدموع التي تغتسل بها العيون. يقول مديراً الحوار مع سائلته عن الحب، وهي به عليمة:

تَتَساءلينَ عن المَحبَّةِ والوفَا

تَتَسَاءلينَ. أجلْ. كَانّكِ تَجهلينْ!

عفواَ سأكتبُ مايقولُ القلْبُ عن

معنى المحبَّةِ في اصطلاحِ العاشقينْ

الحبُّ إحساسٌ يغيث قلوبنا

تَحيا بأنفاسِ يُعطّرُها اليقينْ

هوَ رَوْضَةٌ غَنّاءُ يشْدو طيرُها

وعَلى الشِّمالِ أريجُهُ وعَلَى اليَمينْ

لولاهُ ما عَرَفَ المُحِبُّ تَبَسُّمَاً

يوماً ولا اضطَرَمَتْ بِدَاخِلِهِ الشُّجونْ

لولاهُ ما اغتسلَتْ عيونُ مُتَيَّمٍ

بِدمُوعِهَا وَتَأمَّلَتْ في الوَالِهينْ

وهو ينظر إلى الحبَّ بوصفه قيمة إنسانيّة مطلقة، لا تتوقّف عند العلاقة بين الرّجل والمرأة، وإنّما تتجاوزها، إلى أن تتناقض مع الظّلم، وتتسقُ مع العدل، حتّى تكون معرفة الحبّ المعرفةً الحقيقيّة سبيلاً إلى السعادة. يقول:

ما عَرَفْنَا الحُبَّ بالمعنى الذي

يَجعَلُ الإحساسَ في أُفْقٍ رحيبِ

إنَّ معَنى الحُبِّ يا عاذِلَتِي

أنْ نصُوغَ الحُبَّ في عَدْلٍ مَهيْبِ

يرْفُضُ الظُّلْمَ وإرضَاءَ الهَوى

ويُنَادِيْنَا فيَحْظى بالمُجِيبِ

وعلى الرغْم من وضوح اجتلاب بعض القوافي، نتيجة كون القصيدة من البدايات الأولى للشاعر، إذ حواها ديوانه الأول: “مواجع قلب”، إلا أنها متقدّمة على غيرِها من حيث مضمونها الإنساني، الذي ينمّ عن وعي الشاعر بمعنى الحب، بوصفه قيمة إنسانية، تقود إلى التراحم والعدل.

رحمك الله يا عبدالله.. رحمك الله، فقد عشت للحب، ومتَّ بما أثقل القلب منه.
>

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com