(رياضُنا) ليست نصفَنا

من فضائل (ملتقى المثقفين) الثاني أنْ يُؤتى بنا إلى عاصمتنا الحبيبة، ومنها ما يُكتب وما يقال عما حصدناه من نتائج الملتقى الأول إن كان هناك حصاد. ومنها ما قُدّم خلاله من أوراق، إضافة إلى جوهرية اللقاء في ذاته من تجديد بين المتعارفين من جهة وبين الوجوه الجديدة الفاعلة والمبدعة من جهة أخرى، وتكريم عيّنة من الأسماء الرائدة على ساحتنا الثقافية.

عُقِد الملتقى الأول والثاني في العاصمة، واجتمع في ثانيهما ألف من مثقفي ومثقفات الوطن الشاسع (صحيفة الشرق 24/ 12/ 2011). وهنا تجلّتْ لي ظاهرة استئثار عبر التاريخ، وفي العالم الثالث خصوصا! وقد كانت الدول تُعذر خلال أزمنة ضرورة شد الرحال إلى مقر بيت المال حيث الصرف مناولة يدا بيد، مما يضطر القيّمين على مناشط الحياة إلى تركيزها في العاصمة.

أما في عصر الاتصال الذي كان ينبغي فيه أن تكون الأقاليم تستوي مع المركز في الإمكانات والمقدرات والحقوق، فلم يعدْ هناك ضرورة للإصرار على أن عاصمتنا هي المؤهلة الوحيدة في المناطق لجمع هذا الحشد من مثقفي الوطن، إذ لو كان عقد الملتقى تم في إحدى المناطق الأخرى لكان أولى على اعتبار أن هذا أكثر ترسيخا لمفهوم الوحدة واللحمة.

ويحضرني ما سمعته من بعض الناشطين أثناء أحاديثهم الجانبية على هامش الملتقى في ردهات الفندق من مقارنات تاريخية بين مخصصات الجامعات مثلا من الميزانيات، واعتمادها أحياناً على أساس المركزية التقليدية للمكان أكثر منها على أساس الحجم أو أهمية كل المناطق.

وإذا كنا نسمع المطالبات من بعض الأقاليم في بعض النواحي الخدمية والاقتصادية وسوى ذلك من الخدمات التي تسعى الدولة لتحقيقها في جميع المناطق، فما الذي اضطرّ وزارة الثقافة إلى جعل الملتقى الثاني في الرياض لا في جدة أو المنطقة الشرقية مثلا؟

وفكرة تداول المناطق للقاءات والمؤتمرات والأنشطة الداخلية فكرة تستدعي إيجاد المرافق التي تستوعبها على غرار مركز الملك فهد بالرياض، فلم لم نر من الوزارة حتى مجرد التفكير في هذا التداول؟

أمر آخر تداوله البعض وهو: تقسيم المثقفين الألف بالقسطاس المستقيم بين العاصمة والمناطق: 500 من الرياض و500 من المناطق الأخرى – صحيفة الشرق نفس العدد. وقد قيل إن السبب أن كون نصف الملتقين من الرياض يخفف من تكاليف النقل والإقامة، وهذا صحيح، لكنه يزيد من استبعاد عدد قد يساويه من المثقفين الذين لم يمكن الإفادة من التقائهم من المناطق الأخرى، وكان التفكير في تداول أمكنة عقده أقرب إلى عدالة التفكير في الشمولية.

ثم تأتي النقطة الأهم وهي: أوراق العمل التي قدّمت في هذا الملتقى. فقد كانت أمنيات الكثير أن الوزارة أعدّت لها من خلال لجان ثقافية مناطقية لا تعتمد على الأندية الأدبية التي لم تزل تمرّ بمرحلة مخاض جديد في ما تمر به حاليا خلال انتقالها من مرحلة شبه وظيفية تقليدية إلى مرحلة الانتخاب التي لم تزل مجهولة النتائج في استيعابها وجدواها وتمثيلها. وبالتالي تكون أوراق العمل نتاجا حقيقيا يمثل إرادات المثقفين، بدلا من كتابة توصيات اللقاء من قبل نخبة قد تمثّل آراء وتجارب وخبرات فردية..

ولا يعلم أحد ممن لقيتهم لِمَ لمْ تتشكل لجنة مُعلنة لصياغة التوصيات من أول يوم بدأ فيه اللقاء ولِمَ لا يجتمع المثقفون رغم أنهم مجتمعون؟!

سينتهي هذا اللقاء بتوصيات تضاف إلى سابقتها في اللقاء الأول، وللعلم: سنقرأ التوصيات التي نجهل من كتبها وعلام اعتمد في ذلك عبر وسائل الإعلام رغم أننا في قلب اللقاء أربعة أيام.

أخيرا: فالزمن يستحقّ مقاييس تستوعب أنّ وجود لجان متخصصة من الملتقين أنفسهم لمثل هذه اللقاءات أمر ضروري، مثل (لجنة صياغة) معلَنة تجمع آراء الكل ومنها تصوغ التوصيات، ولجنة متابعة التوصيات السابقة وما تحقق منها من عدمه وأسباب ذلك.

وداعا (رياضنا) متمنين لوزارتنا – وكل الوزارات – أن تدرك مستقبلا أن الرياض قلبنا لكنّها ليستْ نصفنا.
>

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com