مشكلتنا الكبرى مع النُّخَب التي تشكَّلت في غرف مغلقة، تسأل وتجيب، تكتب وتنشر،وتسعد كثيراً بأنّ ما تنشره يوزَّع ويُقرأ!
لدينا نخب زائفة، لا تعيش إلاّ على المدائح؛ فلا تقبل نقداً، ولا تؤمن بحوار، يقتلها الاختلاف، وتضايقها وجهات النظر التي لا تؤمن بأفكارها،ولا تقبل بسلطتها المطلقة، تجيد كثيراً التنظير، وتعشقه في كلّ حالاته، ليس لديها رغبة في التعرّف على عيوبها، لكنّها تهتمّ أكثر بمعرفة عيوب المجتمع وأدوائه، لا تملك المعرفة الكافية في كيفيّة الاقتراب من الواقع؛ كي تقرأه بشكل جيّد، ولا تستطيع أن تبقى في أبراجها فلا تشغلنا بما تكتب!
حدث لي، ويحدث لأصدقاء كثيرين، أشياء صادمة مع هذه النخب؛ ففي الأيام الماضية كنت أتابع على “تويتر” اسماً كبيراً في السعودية، كنتُ أقرأ ما يكتب بشيء من الإعجاب، كنتُ أشعر بأنّ قراءاتي السابقة له كانت سبباً قويّاً في دفعي لمتابعة ما يكتب في هذا الفضاء الرّحب!
كان الاسم بالنسبة لي كبيراً في فنّه، له حضوره الثقافي الكبير، وله كتب جيدة في أكثر من مسألة ثقافية، لم أكن مؤمناً بكلّ ما يكتب، لكنني كنت قارئاً جيداً له ومتابعاً بشغف لتعليقاته وتغريداته. اختلفتُ معه في قضيّة كنت ألحظها على كثير من المهتمين بالشأن الثقافي لدينا،أبديت له وجهة نظري بشكل لطيف، وكان ردّه عليّ صادماً. تجاوزت الأمر، وكأن شيئاً لم يحدث، فقد كنت أعلم أنّ القراءات المتعجّلة تخلق لدى أهلها بعض الانفعالات غير المحسوبة، لكنّ صدمتي كانت أكبر حين علمت فيما بعد أنّ صاحبي هذا قد حظرني دون سبب مقنع!
لم أتحسّر كثيراً على حجبه لي، لكنني تحسّرت أكثر على تاريخه الكبير واسمه ومنجزه الثقافي الذي يؤمن بالاختلاف، لكنّه لا يقبل به، ولا يصمد أمام صاحب رأي مختلف معه، بالرغم من أنني أظهر معه باسمي الصريح وصورتي!
في الجهة المقابلة اختلفتُ مع شخصيّة ثقافية أخرى، أقلّ شهرة من صاحبنا السّابق، في رأي شخصيّ بحت هذه المرّة، لكنّه قابل اختلافي معه بأخلاق الكبار؛ فقد أعاد وجهة نظري إلى قرّائه وأصدقائه، وطلب إضافتي صديقاً له في هذا الفضاء الرّحب!
حين طرحت هذه القضيّة الشائكة على أصدقائي في هذا العالم الجميل وجدت أنّ لديهم من الحكايات مثل ما لديّ وأكثر؛ فقد أغوت النّخب المزيّفة أصدقائي مثلما أغوتني، لكنّ هذا الفضاء عرّى النّخب أمامنا جميعاً في مواقفهم وتنظيراتهم بفضل هذه الوسائل الجديدة، التي لم تعد تعترف بالكبير حتّى تختبره!
لا أجد مخرجاً يمكن أن أختم به مقالتي هذه إلاّ أن أقول إنّ لدينا نُخَباً أصيلة؛ تستحقّ أن نتابعها، ونسعد بحضورها، ولدينا نُخَب زائفة؛ يجب ألاّ نعلي من شأنها، وألاّ نرفع من قيمتها؛ فحضورها مأساة، وغيابها واجب، علينا المساهمة فيه بتجاهلها! >