أتذكر أني قبل عدة سنوات، دعيت إلى حفلة عرس لصديق عزيز على نفسي. وهذا الصديق الحميم كان يملأني بمشاعر محبة وعطف وود طاغية، رغم أني لم أسمع صوته من قبل!. فقد كان من ذوي الاحتياجات الخاصة، فهو لا يسمع ولا يتكلم، وهو في نفس الوقت مصابا بشلل في نصف جسده الأسفل صاحبه منذ الطفولة. ورغم كل تلك المعوقات، فقد كان قويا، مبتهجا، نشيطا، متفائلا، وقد كان بهمهماته الحميمة، يتمكن من شد انتباهي، وبنظراته الحبيبة، يتمكن من توصيل مشاعره لي، وبنظرات عينيه يشعرني بأنه يرنو لمستقبل بعيد، وبإشارات وحركات أصابعه، يتمكن من شرح ما يجول في خاطره نحوي.
وقد صعقت خلال مروري بين حضور الحفل، حيث كنت أنا بينهم من يحتاج إلى احتياجات خاصة. فقد كانوا أصحابه من المعاهد والمدارس التي درسوا فيها حضورا، وكانوا متجمعين في حلقات، يتحدثون بطريقة الإشارة، ويطلقون صرخات، وضحكات، جعلتني أشعر بأني في عالم لا يمت لعالمي بصلة.
لقد كانوا يتحدثون في جميع الأمور، السياسية، والاجتماعية، والعلمية، والأدبية، والفنية، وغيرها مما تتحدث فيه بقية شرائح المجتمع.
وقد تنقلت بينهم سعيدا بقدرتي البسيطة جدا على فهم بعض ما يتحدثون فيه بإشاراتهم، متمنيا لو كنت أستطيع فهم المزيد.
وقد كنت أتذكر ذلك (الفرح) كلما قابلت صدفة أحد أبنائنا أو بناتنا من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأتساءل، كيف هي حياتهم في منازلهم، وكيف يستمتعون بأوقاتهم، وكيف يقضون أوقات فراغهم، وكيف يتمكنون من ملاحقة أخبار العالم من حولهم؟.
ولا أنكر أن بعض القنوات التلفزيونية، تقوم على استحياء بوضع مذيع متمرس في الإشارة في طرف الشاشة لإرضاء بعض تطلعات ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكني لا أعتقد أن هذا هو الحل.
المطلوب أن يقوم أحد المستثمرين العرب بإنشاء محطة تلفزيونية كاملة متخصصة لذوي الاحتياجات. وأن تكون بغالبية مسئوليها وموظفيها من فئات ذوي الاحتياجات.
صدقوني انه سيجد خبراء في جميع التخصصات من تلك الفئة، وأنه سيندهش لكم وكيف ما هو موجود بيننا منهم، ممن يجبرون للعمل في زوايا الظل.
سيجد المذيع المبدع، وسيجد المحاور الكفء، وسيجد المصور والمخرج والمحلل والمعد، وعمال الإضاءة، والحاسوب المتميزون.
محطة (متخصصة) رائدة تجعل جميع أهل هذه الفئة قريبا منا، يعرفون عن أي جديد في السياسة، والاقتصاد، والرياضة، والعلوم والفنون، وتعنى بتوصيل الخبر في حينه، والمتعة بكامل معانيها لهم، وبلغتهم.
تلك أمنية عزيزة تتردد على خاطري، كلما صادفت أحدا من أهل هذا الفئة المنسية بيننا، وكلما تذكرت أن الإعاقة قدر يحدث لأي بشر، دون إرادته.
>