أكتب من جهة جنوبية تضم مدناً حالمة، ونفوساً طيبة، اعتاد أهلها – على طول الطريق – ألا يأتي لهم رجل بقامة وزير إلا للوقوف على مشكلة قيد الحدوث، أو إرضاءٍ للمواطن المنتظر دوماً لزيارة مسؤول حين يكثر ضجيجه ليتم منحه على الفور جُمَلا حَنُونَة أشبه بالمضادات الحيوية، وأن كل شيء على ما يرام، والتأكيد المتواصل أن المكان وأهله من ضمن أجندة الخطة المستقبلية للوزارة وكراسيها الموقرة. وقد يكون الحضور – حتى لا أظلم أحداً – لافتتاح ورشة عمل كبرى، أو قصاً لشريط، أو أكثر لجملة مشاريع، مضى على تنفيذها ضعف ما مر على مشاريع مشابهة في جهات أصلية مجاورة.
لا عليكم من الكلام الماضي، ولكم أن تحسبوه فلسفة جاهل، أو كحاطب ليل، وسأضطر للذهاب والمرور العابر إلى زيارة وزير الثقافة والإعلام لمنطقة عسير قبل أيام، وهي الزيارة التي أحسبها – وإن كانت متأخرة – تفقدية بحق وإطلاعاً على حاجات ومتطلبات جزء متداخل في العملين الثقافي والإعلامي، وشريحة متابعة ومشاركة به أولاً بأول.
عن الزيارة، وأنا «ابن المكان»، ولا أبعد عن موقع الاحتفاء واللقاء سوى كيلو مترات لا تتجاوز عدد أصابع اليدين، لم يكن لي شرف المشاركة، أو المشاهدة كأضعف الإيمان، ولعل الدور في ذلك لظني المسبق بأن اللقاء بالوزير سيكون خاصاً ومستقلاً، وأن الدعوة لرموز المؤسسة الصحافية المستضيفة، وكذلك رموز المواطنين من ذوات «البشوت»، على رغم انتمائي لمؤسسة صحافية، لكن لعل هناك من لا يقرأ أو يكتفي بقراءة أسرع صحيفة تصل في الصباح إلى الطاولة.
لقاء الوزير يجب أن يكون بالمثقفين والإعلاميين المتقاطعين مباشرة مع عمل الوزارة في كل زواياه المرئية والمقروءة والمسموعة، حتى ينقل الفرد والمواطن المنتمي للوزارة، (متفرغاً أم متعاوناً)، حاجات المكان ومتطلباته التي تتشابه تقريباً مع حاجات مساحات وزوايا جغرافية أخرى، مع ثقتي وتقديري لكل العقول الخارجة عن دائرة التقاطع مع الوزارة التي حضرت من أجل مشاهدة الوزير المقبل، ومشاغبته بشيء من الفلاشات التي لا يحتاجها مطلقاً، هناك أسئلة كان يريد من ينتمي للوزارة نقلها إلى الطاولة المقابلة والتداخل المباشر مع مسؤول قَدِمَ للاستماع وأخذ أوراق النقد وأسطر التغيير أكثر من أي أمر آخر، لا يمكن مثلاً لوزير الصحة أن يلتقي بمديرين ومسؤولين في قطاع البلديات ولا حتى العكس، قد يبرر بعض الموجودين أن الثقافة حق مشروع للجميع وليست حكراً على منتسب أو منطوٍ على نفسه، ولعل هذا التبرير فيه شيء من الصحة، إنما هذه الفرصة الأولى ولتترك – أدباً – للمنتسبين الحقيقيين، وأعدكم أن يصمت هؤلاء المنتسبون عن الحديث حين يحين موعد الزيارة المقبلة.
ما تبقى من الحديث هو عن المساحة التي لم أجدها في لقاء الوزير، وسؤالين كنت انتظر لطرحهما دقائق متاحة وفراشاً أجلس عليه استناداً على دعوة، الأول: لِمَاذا كلما حاول المثقف الارتقاء بثقافته وحضوره وقدراته زاد فقراً؟ والثاني: هل هناك نية لإنشاء اتحاد للكتاب من أجله نلتقي ولو لمرة واحدة في العام، أو تشكل اتحادات مصغرة في مدننا تحت مظلة أنديتنا الأدبية؟
وسيلغى النص المكتوب السابق في ما لو كانت زيارة الوزير للمنطقة فقط لمؤسستها الصحافية الوحيدة، لا جولة شاملة على فروع الوزارة، ومن ثم لقاءً عاماً بمثقفيها وإعلامييها. >