الحسد يسيطر علينا

ينسلُّ الزوج في أواخر الليل كاللص، وهو يحمل بين يديه، زجاجة عطر باريسي، وعلبة حلوى، ويقف متلثما في الظلمة، ينتظر أن يُفتح الباب الخلفي لبيت أهل زوجته، ويدخل عليها متخفيا، وهو متوجس من أن يراه أحد!

ويتكرر المنظر لليال متعددة، حتى يقبض عليه أحد إخوة زوجته، وهو متلبس بالجرم المشهود!

ويكاد الغضب أن يخرج الأخ عن طوره، وتكاد العصبية وعدم الفهم أن تقلب الحكاية الرومانسية، إلى مأساة تراجيدية.

ويستفسر الأخ من أخته وطليقها، عما يحدث بالضبط، ويستنكر، فإذا كانا لايزالان متحابين، فلم لا يعلنان الرجعة للجميع، وينهيان فترة الطلاق، التي استمرت على مدى شهرين؟

ويتعجب الأخ أكثر حين يعرف أن كل ما حدث لا يعدو كونه مسرحية، كان معدها ومخرجها أحد المستشيخين، وممثلوها الزوج والزوجة، وجمهورها العريض الأسرة والمجتمع.والتمثيلية تم إعدادها بعد أن حَرَمَ الله الزوجين من الذرية لعدة سنوات، ولم يتركا وسيلة لم يجرباها، علاج طبي، وتجرع أعشاب، وحميات، ورقية، وسفر للخارج، وأطفال أنابيب، وغيرها.ويقف الزوجان في النهاية على باب الشيخ، الذي يقرر بأن ما يحدث لهما ليس إلا حسداً من عين قريب لا تعرف الخير، عين تحرمهما الذرية، متناسيا قول الله عزل وجل: «لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ».

ويسألهما الشيخ عمن يشُكان فيه، فيستعرضان معارفهما، وأفراد عائلتيهما، ويزداد لهيب الشك فيلقيان بالتهم جزافا بالشبهة، ودون أي وجه حق، فذلك نظر لي نظرة مستفزة، وتلك لم تبتسم حين سُعدت، وهذا مشهور بالعين الحارة، وتلك حسودة بطبعها! ونظرا لكثرة المتهمين، ينصحهما الشيخ بأن يختلقا مشكلة كبيرة بينهما، وأن تذهب الزوجة لبيت أهلها باكية مولولة، مدعية أنها مهانة مطلقة. ويزيد الشيخ، أن يعلم القاصي والداني بالمشكلة، حتى تخف عنهما عين الحسود!

ويشدد بألا يعرف بما ينويانه أحد، حتى أقرب الأقربين، فربما يكون أحدهم هو السبب!وتصور معي كم من الكذبات كذبها الزوجان أثناء تباعدهما، التي لا أظن أنها تُعد من لغو الكلام.في (بعض)، مجتمعاتنا يكثر الكذب غير المبرر، وتحكمه العين، والحسد بشيء من المبالغة غير المستحبة. فلا أحد ينكر أن الحسد حق، والعين حق، ولكن الله لا يرضى أن نسبغها على جل تصرفاتنا، وأن تُسيرنا في ليلنا ويومنا، ولا أن نظل نكذب في كل مناسبة، وفي كل منعطف.تسأل الشخص سؤالاً عفويا، فيرد عليك بكذبة، لا تلبث أن تنكشف، فتعرف أنه كذب عليك، خوفا من عينك؟وتسأله عن صحته، فيحكي لك عن علل وأمراض، وعلاجات وهمية.تدعى لمناسبة، فتجد من يجمع بعدك (غسيل الفناجين)، ويغتسل بها، وكأننا نعيش في عصور الظلام، تبتسم لطفل، فيصيح عليك الجميع بترويع بأن تذكر الله، وأن تتف في وجهه من فمك، وأنت مؤمن تذكر الله في كل أوقاتك.البعض يفرح حين تخدش سيارته، ولا يقوم بإصلاحها مباشرة، حتى تستمر بحالها، فلا تجذب عين الحسود.

البعض لا يشتري لأهله الجديد، لأنه يخشى عليهم من العين الحارة.

البعض يصرف مبالغ طائلة على زجاجات الماء والزيوت الملوثة بالتُّفَال، أو البصاق.وقد استباح البعض الكذب، وعلقوه بالأسباب، حتى صار الكذب هو المعتاد لديهم. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).فلماذا دوما نجد التبرير لكذباتنا؟ ولماذا لم نعد نُنكر الكذب، بحجة الخوف من الحسد؟ أليس الله عز وجل يقول: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.

وقوله سبحانه: «وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ».

دعوة مني للصدق، فيما نقول، وللتقليل من الحلف، لتأكيد الكذب، ودعوة بالتوكل على الله، وألا نظل طوال الوقت ننظر لبعضنا بريبة وشك، وتشكيك، وألا نلفق لبعضنا التهم، فكثير منا يفتري بمجرد الشبهة على الغير، ويصفهم بالسوء، ويصمهم بأنهم يحسدون، وأن عيونهم قوية تفلق الصخر، ويكثر عنهم الشائعات، حتى يصبحوا في المجتمع مُنكرين منبوذين، وهذا يتنافى كليا مع مفهوم أن نكون كالبنيان المرصوص.

>

شاهد أيضاً

أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري

صحيفة عسير – مها القحطاني : استقبل صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com