يقف الحصان العربي شامخاً في الآداب العربية، وتظهر صورته جلية في الأدب الخاص والعام، وعندما تلتمس صورة الخيل من قبل في المُثل الإسلامية تجد له الصورة الناصعة من حيث إعداد العدة والرباط، وكذلك الخير المعقود في نواصيها إلى نهاية الخليقة، وان المتبصر في الشعر الشعبي ليجد أن الخيل يورد فيه مورداً كثيراً، لا من حيث القوة فحسب ولكن يتعدى ذلك إلى السباق والعدو والجمال والأبهة وممارسة الهواية في الركوب والصيد والقنص والتربية المنزلية من هنا كانت الاضاءة مهمة لبسط الصورة قوية وتبدو أجمل من ذلك في قصص بني هلال والزير سالم وسيرة حمزة البهلوان، وحكايات ألف ليلة وليلة وعنترة العبسي. بالإضافة إلى السير الشعبية مثل سيرة الأميرة ذات الهمة وغيرها مما هو متداول ومعروف في الآداب الشعبية ولقد ارتبط الخيل بالعربي منذ نشأته الأولى حيث الفرس والفارس والفروسية وما زالت هذه الصفة مورثة ومتداولة في حب الخيل وجماله وركوبه واقتنائه واختيار أسمائه وسائسيه واتخاذ النوادي له بل كما يقول الكاتب عباس خضر “ما يزال حب الخيل والعناية بها مستقراً في المجتمع العربي وخاصة في المملكة العربية السعودية حيث يعنى القوم هناك بالفروسية وسباق الخيل، وتمنح
الجوائز الكبيرة للفائزين من أصحاب الخيول”.
وفي التراث الأدبي صورة الخيل ووصفه فمن ذلك ما جاء على لسان الشاعر المعروف طرفة بن العبد:
ولقد شهدت الخيل وهي مغيرة
ولقد طعنت مجامع الربلات
ربلات جود تحت قدٍ بارع
حلو الشمائل، خيرة الهلكات
ربلات خيل ما تزال مغيرة
يقطرن من علقٍ على الثّنات
حيث وصف الخيل بالربلات وهي اللحم الغليظ، وأنها ذات قد وجسم بارع في الجمال، والذي يتصف بصفات وشمائل خيرة، بل إنها تغير أي تسرع، إن شعرة في مؤخر رجل الخيل.
وقال في قصيدة أخرى:
نمسك الخيل على مكروهها
حين لا يمسكها إلا الصبر
أيها الفتيان في مجلسنا
جرّدوا منها وراداً وشقر
أعوجيات طوالاً شزّباً
دوخل الصنعة فيها والضمر
من يعابيب ذكور وقح
وهضبّات إذا ابتل الغُدر
فقد وصف الخيل بالواردات والشقر، والشازبات الضامرات واليعبوب وهي الفرس الطويلة والسريعة في عدوها.
ثم وصفها بالأعناق الطويلة والسريعة التي ترفع اذنابها، والممتدات فقال:
جافلات فوق عوج عجل
ركبت فيها ملاطيس سمر
وأنافت بهوادٍ تلّع
كجذوع شذبت عنها القشر.
كاثرات وتراها تنتحي
مسلحبّات إذا جد الحضر
وغير طرفة هناك من وصفها ومن ذلك الشاعر العربي امرؤ القيس الذي بالغ في وصف الخيل، وعندما تقلب السير الشعبية لأبي زيد الهلالي، ورفقائه ممن تغربوا عن مواطنهم الأصلية نجد، ومدى تعلقهم بالخيل الأصيلة والمحبوبة لديهم تجد أنهم يحبون الخيل ويتفانون في وصفها وعندما طلبت الخيل “الخضرا” من جماعة أبي زيد قال سائس الخيل ذياب ممتدحاً خضرا.
يقول الفتى الزغبي ذياب بن غانم
أنا صاحب الهمات في يوم الطراد
يا بوعلي أنا ما بخيل ولا ردي
ولا أنت للخضرا لديك مراد
لكن ستعطيها إلى ابن مقرب
أنا بالفرس أولى من الأبعاد
وما طاق قلبي يا أمير فراقها
وربيتها أحسن من الأولاد
أنا تحت أمرك يا أمير أبو علي
فافعل بنا ما تفعل الأجداد
فما كان من الأمير حسن أبو علي الهلالي إلا أن يهدي خضرا خيله المحبوبة وشكر الفارس ذياب بن غانم واهدى الخيل إلى الماضي بن المقرب في المغرب ولكن هذه الخيل المهداة حزنت وصهلت صهيلاً حزيناً فما كان من ابن المقرب إلا أن تسرج الخيل وترجع لاصحابها من بني هلال الوافدين إليهم في مضاربهم وقال في قصيدة معها:
يا بو علي أرسلت خضرا ليكمو
تحف بها الفرسان والانجاد
الخضرا فرس أصيلة متأصلة
وما لها إلا ذياب الخيل سيد الأجواد
واطلب صلح الجازية أم محمد
وخذ ما تشا يا سيد الأجداد
وفي الشعر المعاصر نجد للشعر نخوة الخيل الأصيل ومن هؤلاء الشاعر المعروف عمر أبو ريشة في قصيدة له بعنوان الفارس، ومنها:
كيف يرتد عن مداه مراده
وعلى ملعب الخلود طراده
فارس نازل الليالي فعزت
بالتلاقي جيادها وجياده
مادرت في الزحام ايهما أغزر
فيضا عنادها أما عناده
والفارس والجياد مصطلحان لراكبي الخيل والجياد والخيول، وله أيضا:
هانت الخيل على فرسانها
وانطوات تلك السيوف القطّع
ومهما يكن فإن الخيل ما زال صيته يدوي على الملأ جمالاً وكمالاً وأنساً ودلالاً، فيها يتغنى الشعر شعبياً وفصيحاً وكلمة ومثلاً ومن ذلك المثل الشعبي السائر “ركابين الخيل ما هم سوى” يضرب لمن لا يجيد الأعمال أو لا يتقن صولات الرجال ودهاة القوم لله در الخيل ما أذرقت ولمح جنبها في المحافل وصدحت بصهيل جميل محبوب ..
وإلى إطلالة شعبية أخرى.
د. محمد الربيعي المدخلي
>