غرندايزر… يسلخ ابنه !

e87ff9287bf7459b97606599ef8a744bثمة ذكور دخلاء على مفهوم الأبوة، جلّ ما يعرفونه عنها أن يناديه أحدهم بأبي «فلان»، أما ما خلف هذه الأبوّة وما تحويه من اللحظات والمحطات فأحسن الله عزاءنا وعزاءكم فيها، وهي مستترة إلى أن يحين موعد صادم كي تخرج للملأ ونتأكد أن هناك من هو مبتلى بالأبوة، كما أن هناك صغاراً أبرياء مبتلون بأن كانوا يوماً في عهدة ووصاية أب.

في جازان أراد «علي» طفل الثمانية أعوام أن يعيش كما يعيش أقرانه، وأن يرزق بأب يتباهى به أمامهم، حتى وإن كانت الحقائق التي يصافحها صباح مساء بالغة المرارة ومستعصية على فهمه الفطري البريء، كان «علي» ينقل رأسه الصغير من دون أن يفكر كثيراً بالألعاب ولا المحيطين وأقصى الأشياء التي تخرج به عن روتينه اليومي هو مغادرته لحضن أمه من حين لآخر ليذهب في زيارة والده هو وأخيه.

تقول تفاصيل القصة الفظيعة أن والد علي طلب منه وأخيه أن يعمدا للسرقة فرفض هذا الصغير ليسحبه الأب من فئة «غرندايزر» ويربط عينيه وفمه بقماش ويجرده من ملابسه ثم يسكب الماء على جسده، ليكمل أخوه مسلسل التصفية الجسدية ويقوم بحلق رأسه تمهيداً للمهمة الأعظم التي قام بها والد علي وهي سلخ رأس الصغير بجنبيته وسكب «الكرولكس والفلاش» على رأسه المسلوخ، ولكم أن تتخيلوا وتفكروا وتحللوا وتصدقوا وتكذبوا، لكني شاهدت الرأس المسلوخ ولا يعنيني كيف؟ ولماذا سُلخ؟ ولو قُتِلَ «علي» لكان نسياً منسياً، لأن القتل فعل سريع على دفعة واحدة، والسلخ أفعال متراكمة بطيئة تجعل الموت على دفعات. أريد أن أتوقف عن المضي في استكمال سرد هذه البشاعة، ولكن لا بد من أن نقف مع «علي» لأنه في ذمتنا من ساعة خروج رأسه المسلوخ لحيز المشاهدة، قد يكون أبوه سكيراً، مريضاً نفسياً ومدمن مخدرات وهي المبررات الأشهر لقصصنا المحلية التي لا تدخل الدماغ، لا نريد أن نتوقف عند فضائحية السؤال الممزق لأرواحنا: لماذا فعل الأب كل ذلك بولده؟ لأن المبررات والأعذار طازجة ومعلبة لمن ينوي إخراج الأب من وحشية الإجابة.

يحتاج علي رعاية فائقة تنسيه الحريق النفسي الذي أشعله موقف والده معه، يحتاج هذا الصغير المفجوع من يضعه وإخوته في هويات رسمية ليشعروا أن مستقبلاً بأقل قدر من الأمان ينتظرهم.

مسلسل العنف لن يتوقف وهو مسلسل يطفح في داخل المجتمع في ظل انحسار دور المتخصصين وعجزهم عن الصراحة في التجريم والدخول في منطقة حلول وتشريعات تضع العقاب من جنس العمل في أضعف الأحوال. علي هو الاستثناء في فعل السلخ بمشهدنا المحلي، لكنه ليس الاستثناء في المسلسل العام بفعل الانحسار والعجز، وسأتأمل – وأنتم – السطر الحاد في القصة بأكملها والذي جاء على لسان أم «علي» فبزعمي أنه وراء أكثر ما وصل إليه «طفلها» وأوصل برأسه لحافة السلخ حين قالت : «جميع أبنائي دون طهارة منذ ولادتهم، ولم يضفهم في كرت العائلة، وكوني يمنية وهو سعودي لم أجد أحداً ينصفني».

علي القاسمي >

شاهد أيضاً

الكتاب بين الورقي والتكنولوجيا

بقلم / أحلام الشهراني سيدي سيدتي في ظل هذا التطور التقني والانفتاح الثقافي الذي نعيشه …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com