الترابط الأسري في الإسلام

 

لقد اهتم الإسلام بالأسرة التي أساسها الوالدان ،الأم والأب فقال تعالى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ}. سورة النساء آية 36 .

اما في المجتمعات الغربية قديماً ،الاسرة الموسعة كانت تشتمل في الغالب على ثلاثة أجيال يعيشون معًا، جميعُ أفرادها متعاونون متضامنون، ومنتجون حتى الأطفال كانوا يساعدون الكبارَ في الرعي، وزراعة المحاصيل، والحصاد. لكن هذا الحال لم يستمر.

امابعد مرحلة الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر الميلادي فقد انحسرَت الصناعاتُ المنزلية الصغيرة التي كانت تقتات منها الأسرُ مقابلَ عملها عند الإقطاعين ، لذا فإنَّ أفراد العائلة الذين كانوا ينعمون بالعيش معًا اضطروا سعيًا إلى الرِّزق وإلى هَجْر عائلاتهم والعيش في مكان آخر مما جعل القِيَم والمبادئ والأخلاق أمرًا هامشيًّا،لذا فالمصلحة الخاصَّة مقدَّمة على المصلحة العامَّة، والحرية الفردية فوق سائر الحريات ، مما أدى الى انهيار الأسرة الغربية الذي تحدث عنها السناتور مونيهان وغيره من عقلاء الغرب كان نتيجة لمزيج من العوامل المادية والثقافية والاجتماعية وقد حصل هذا الانهيار عبر فترة تزيد على الأربعين سنة.
ففي الستينات شهدت دول الغرب ثورة تحرر من كل القيم وأصبح كل ما يلبي رغبات الإنسان ونزواته أمر مقبول بغض النظر عن عواقبه وكانت أول ضحايا هذا التحرر هي الأسرة حيث أن جوهر هذا التحرر هو تحرير الفرد من كل القيود أي انه انفلات كلي على العكس مما جاء في الاسلام حيث حث على بر الوالدين وعلى ترابط الاسرة.
ومن مظاهر بر الوالدين في الاسرة المسلمة ما نرى في الحرم المكي في فترة الحج والعمرة ،ابن يحمل والده المسن على ظهره ليطوف ويسعى فلا يظهر من الابن والكل العب كذلك هناك من الابناء من يسارع إلى خدمة الوالدين بما يستطيع، مُفرِّغًا وقته وجهدَه لوالديه، مستشعرًا التقرُّب إلى الله تعالى في خدمتهما، وهو يعلم أنَّ الله تعالى خاطبه بقوله تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15]. فلا نذهب بعيدا وعن قرب لقد عهدت أبن اختي وهو يؤثر والديه على نفسه ،يتعب من اجلهم ويسهر على راحتهم ويسخر نفسه وماله في سبيل رضاهم ،وأهم من ذلك هو اعتناءه بوالدته عندما تعبت ودخلت المستشفى ،فقد كان لا يفارقها ليل نهار على الرغم من انشغاله في الوظيفة ولديه اطفال يحتاجونه في كل وقت ،فقد كان يفضّل مصلحة والديه على ابناءه . ولا ننسى حنان هي الاخرى قامت بعمل عظيم ونبيل كل هذا في سبيل بر الوالدين و طلب الرضى من الله ،فقد تبرعت بإحدى كليتيها عندما تعبت والدتها بإصابتها بالفشل الكلوي على الرغم ان الطبيب صرح ان نجاح العملية ضعيف ،فقد تقدم جميع الابناء لكي يتم الفحص الطبي فيمن يتلاءم مع الام في التبرع فقد رسى الفحص على حنان .وبلغ الابناء الام بإجراء العملية فوافقت بشرط ان يكون المتبرع من غير ابناءها . ودخلت حنان المستشفى كمرافقة لوالدتها دون ان تعلم الام انها هي المتبرعة .وبعد انتهاء العملية بنجاح طلبت حنان ان تكون في غرفة اخرى . ثم سالت حنان الطبيب عن العملية فقال انها اسهل عملية اجراها حتى الان . وان ماقامت به حنان هو اعظم بر للوالدة على وجه الارض فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (( جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال:أمك قال:ثم من: قال أمك قال:ثم من: قال: أمك قال : ثم من: قال:أبوك)). وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَاب} سورة الرعد آيه 21. وان رضى الله تعالى مربوط برضا الوالدين فإن الله تعالى لا يرضى عن العبد حتى يرضى والداه عنه ايضا رضى الله مربوط باستجابة الدعاء كما حصل في قصة اصحاب الغار الثلاثة،وذلك بالتوسل الى الله بصالح الاعمال . حيث دخلوا غار في جبل حينما انهمر المطر وكان غزيرا جدا فلم يستطيعوا الرجوع الى بيوتهم فانطبقت عليهم الصخرة فلم يستطيعوا الخروج . فاخذ كل واحد منهم يتوسل الى الله بصالح الاعمال ،ثم استجاب الله لهم وفرج عنهم وانحدرت الصخرة وخرجوا. ولو قارنّا بين المجتمعات الغربية والمجتمعات المسلمة فقد نجد فرقاً شاسعاً خصوصا في الوقت الحالي ،فقد وضعت كثير من الأسر برنامج التواصل بينهم ، لذا يتعرف الصغير على الكبير والقريب على البعيد من الاسرة الموسعة،وحددوا اللقاء بين الأسر مقابل اشتراك مبلغ بسيط وتحديد مكان للقاء . عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، و من قطعني قطعه الله ” والترابط بين الأسر هو عبارة عن صلة الرحم الذي وصى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم .

 

 بقلم : نورة السماعيل 

>

شاهد أيضاً

كم كنت عظيماً يا ابي

بقلم : د. علي بن سعيد آل غائب بمناسبة الذكرى الخامسة على رحيل والدي رحمه …

5 تعليقات

  1. ماشاء الله ، كلام رائع وجميل يستحق القراءة، والله يعز الاسلام ويدوم الوصل.

  2. مقال جميل ورائع وحنا في انتظار مقالاتك الشيقه ?

  3. يارب يرزقك الصحه والعافيه على المقال الشيق ويدم علينا نعمة الاسلام اختك ام عبدالعزيز

  4. مقااااال جدا رااائع ومميز???

    بوركت الكاتبه الرائعه ونفع الله بها العباد?❤️

  5. مقال يستحق القراءة
    شكراً للكاتبة المبدعة، بارك الله في جهودك

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com