ثقافة البوفيه المفتوح: بين الكرم وسوء الفهم

بقلم: سهام ورقنجي

في كثير من المناسبات الاجتماعية والفندقية تُقدَّم الوجبات عبر ما يُعرف بـ”البوفيه المفتوح” وهو نمط تقديم طعام يُسمح فيه للضيوف باختيار ما يشاؤون من الأطباق المتنوعة بحرية ودون قيود على عدد المرات التي يمكنهم فيها تعبئة أطباقهم. في ظاهره، يبدو البوفيه المفتوح دلالة على الكرم والتنوع وإرضاء الأذواق لكنه في الواقع امتحان لذوق الفرد وثقافته وسلوكه الاجتماعي.

 

ما هو البوفيه المفتوح فعلًا؟

 

البوفيه المفتوح ليس إعلانًا مجانيًا لتكديس الأطباق ولا مناسبة لاستعراض حجم الشهية أو القدرة على ملء الطاولات بما لذ وطاب.

 

هو ببساطة نمط خدمة يتيح للضيوف فرصة تجربة ما يرغبون بتذوقه مع مراعاة احترام الآخرين ومشاركة الطعام بعدالة.

 

احتلال البوفيه… هل هو تصرف حضاري؟

 

من المؤسف أن بعض السلوكيات الشائعة تشير إلى خلل في فهم هذا المفهوم فهناك من يسارع إلى “احتلال” طاولة الطعام محمّلاً أطباقه بما يفوق حاجته بكثير ثم يترك نصف ما جمعه دون أن يتناوله

مبررًا ذلك بـ”الحق المشروع” في الاختيار.

 

لكن السؤال هنا: هل ترك الطعام على الطاولة بعد تكديسه يُعتبر حقًا، أم إسرافًا وتعديًا على حقوق الآخرين؟

 

في الحقيقة ما يُترك من طعام على الطاولات هو طعام ضائع كان بإمكان شخص آخر أن يستمتع به.

 

عندما يمتلئ صحنك بأصناف كثيرة لا تنوي إنهاءها فأنت لا تُسيء فقط إلى فكرة الضيافة بل تساهم أيضًا في هدر الطعام وهو سلوك لا يليق بمجتمع يسعى للرقي والتحضر.

 

الكمية المناسبة… ذوق واحترام

 

البوفيه لا يُقصد منه أن تأخذ كل شيء دفعة واحدة بل أن تأخذ ما يكفيك لتجربته وتستمتع به ثم تعود إن أحببت.

الثقافة الحقيقية تكمن في اختيار كمية معقولة من كل صنف دون مبالغة أو حرص على ملء الصحن كما لو أن الطعام سينفد.

في البوفيهات المحترفة لا أحد يمنعك من العودة أكثر من مرة لكن الذوق يمنعك من التهام كل شيء دفعة واحدة.

 

هل يجب أن آخذ من كل صنف؟

 

الإجابة ببساطة: لا.

ليس من الضروري أن تتذوق كل ما على الطاولة، فالفكرة أن تختار ما يلائم ذوقك وما تحتاجه فقط.

البوفيه وُجد ليمنحك حرية الاختيار، لا ليُلزمك بشيء.

 

تعليم الأطفال فنون الأكل… ضرورة وليست رفاهية

 

من المؤسف أن كثيرًا من الآباء لا يُعلّمون أبناءهم كيفية التعامل مع البوفيه فتراهم يتصرفون بفوضوية أو يتركون خلفهم أطباقًا شبه ممتلئة.

إن تعليم الأطفال آداب الطعام ليس ترفًا بل ضرورة لبناء جيل يعرف كيف يتعامل بذوق واحترام مع الآخرين ومع النعم التي يملكها. تعليم الأطفال أن يبدؤوا بصحن صغير وأن ينهوا طعامهم وأن يحترموا دور الآخرين في الصف هو مسؤولية تربوية واجتماعية.

 

إلى متى؟

 

إلى متى نظل نعامل البوفيه كفرصة لالتقاط الصور مع صحن ممتلئ؟ إلى متى نخلط بين الكرم والإسراف وبين الحرية والفوضى؟ ثقافة البوفيه ليست مجرد أكل

بل انعكاس مباشر لقيمنا وسلوكنا.

نحن بحاجة ماسة إلى نشر هذه الثقافة عبر المؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام ومنصات التواصل حتى تصبح جزءًا من هويتنا السلوكية لا مجرد رفاهية تقتصر على الفنادق والمطاعم الفاخرة.

 

الطعام نعمة.

والبوفيه المفتوح مسؤولية.

والذوق سلوك قبل أن يكون مظهراً.

فليكن ما نأخذه من البوفيه مرآة لما نملكه من ثقافة ووعي لا دليلاً على غيابهما

شاهد أيضاً

نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام يتطوع ليكون مسؤول المالية

بقلم الكاتب/ عوض بن صليم القحطاني أشار القرآن الحكيم إلى نماذج من تطوع نبي الله …

تعليق واحد

  1. موضوع جدير بالطرح ويستحق منا جميعاً التفاعل
    والمشاركة في نشر ثقافة التوفير والاقتصاد بجميع الوسائل
    والطرق المتاحة خاصة فيما يخص هذا الموضوع
    طرحٌ موفق وتتاولٌ جميل افادني وأضافي لي
    شكراً لهذا الرقي والإحساس الرفيع

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com