
بقلم: منال حمود الشهمة
في البداية، نقف “لحظة صمت” أمام هذه اللوحة السريالية (Surrealism) حيث يمتزج الواقع بالخيال في مشهد رمزي يثير الدهشة ويأسر البصر. مزيج غير مألوف من ثلاثة عناصر “كتاب، فراشة، وامرأة”، يدعونا إلى التوقف لحظة صمت وتأمل، لنرى ما وراء الصورة الظاهرة.
بعد لحظة الصمت هذه، ننتقل إلى “العزلة التأملية”، فنُبعد عنّا ضجيج الأفكار والتفسيرات الجاهزة، ونحاول النظر بعين جديدة، كأننا نرى المشهد لأول مرة. نشعر بما تبثّه الصورة: هل هي حلم؟ حرية؟ خيال؟ أم انعكاس لتأمل عميق في الذات؟
والآن ننتقل إلى مرحلة “وصف اللوحة” لنجد أنها تكشف عن كتاب مفتوح، وصفحاته تتحوّل إلى جناحي فراشة ضخمة، وفي مركز هذا التكوين تقف امرأة تحتضن نفسها، كأنها جزء من جناحي الفراشة. خلفية المشهد هادئة: نهار لطيف، أشجار متناثرة، غيوم خفيفة، وفراشات صغيرة تحلّق في الأفق، لتؤكّد أننا أمام عالم حُلُمي. أما ألوان الجناحين فناعمة ومتجانسة، تجمع بين الأبيض والبيج مع لمسات من الأزرق والبرتقالي، مما يضفي على اللوحة دفئًا وهدوءًا بصريًا.
هذا التكوين الفني يثير أسئلة متعددة: ما العلاقة بين الكتاب والفراشة؟ من هي هذه المرأة؟ ولماذا تحتضن نفسها؟ هل الفراشة رمز للتحول؟ وهل الكتاب يمثل المعرفة والتجربة؟ أهي صورة عن الحرية أم عن العزلة الداخلية؟ وهل المرأة محبوسة داخل الكتاب أم متحرّرة منه؟
وعند قراءة الرموز، يمكننا الإجابة على التساؤلات، إذ نرى بدابك في “الكتاب والفراشة” ثنائية للتحوّل والحرية الفكرية؛ فالكتاب يفتح عوالم لا نهائية، والفراشة رمز الانبعاث والتجدّد. أما المرأة، فتبدو وكأنها تولد من جديد من بين الصفحات، تحتضن ذاتها لتحمي روحها أو جوهرها الداخلي، متأهبة للطيران بجناحين من خيال ومعرفة.
جماليًا، يحمل العمل تناغمًا بصريًا ورمزيًا عميقًا؛ مزج بين الواقعية والخيال بلغة شاعرية. التكوين واللون والرموز تعمل معًا لصناعة مشهد يلامس اللاوعي ويحرض على التأمل الشخصي. إنها لوحة سريالية فاتنة، تمنحنا شعورًا بالانبعاث وتترك الباب مفتوحًا أمام كل قارئ ليجد فيها ذاته.
(((زاوية قراءة فنية)))
يشرف عليها الدكتور / علي مرزوق
أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بجامعة الملك خالد
مدير الجمعية السعودية للفنون التشكيلية بعسير
عسير صحيفة عسير الإلكترونية
احساس عميق بمشاعر الرسام وتجسيد رائع لروح اللوحة