الحرب الأهلية المحدودة بذوي القرب

بقلم: إبراهيم العسكري

قبل أيام مضت هاتفني أحد أصدقائي وهو رفيق غالٍ انقطعنا عن بعض لفترة من الزمن بسبب انتقاله إلى منطقة بعيدة عن منطقتنا الجنوبية الأم الحاضنة لنا وله

فقال أثناء اتصاله: “أنا وصلت من أسبوع وسأمر عليك غدًا لترافقني في رحلة من بعد العاشرة صباحًا حتى العاشرة مساءً، يتخللها وجبة الغداء والعشاء مع تجهيزات مرافقة من القهوة والشاي وبعض التفاريح.

انطلقنا قبل العاشرة من صباح ذلك اليوم الجميل في هدوء وسكينة وأجواء تزيد من السعادة والاستمتاع. استعرضنا في بداية رحلتنا الذكريات الجميلة فضحكنا وسعدنا واتسعت الصدور. قلت يا أخي: ما أحوجنا لمثل هذا اللقاء على الأقل في الشهر أو الشهرين. أضفت له بقولي: “ظننت أن السنين أزاحت المودة فترهلت معها العلاقات، وقد اكتشفت العكس فلا تزال الروح طيبة والأخوة عظيمة.” ثم صارحته أنني لاحظت فيه سابقًا بعض الصمت أو ما يشبه سحابة حزن على غرار ما عرفته فيه من حب الفكاهة والمرح. فقال: “آه يا أخي فقد أوكأت جرحًا غائرًا. ثم قال بأدبه الجم: “لا أريد أن أفسد روحانية هذه الرحلة بأجوائها السعيدة، ولكن لا بد أن أبث لك وأفضفض عن بعض الهموم، فجعبتي مليئة، فلعلك تسليني أو ربما ترشدني للصواب.” وشكرًا له بحسن ظنه بي، وإن كنت لا أملك عصًا سحرية أو دراية فقهية أو حتى فنية أسرية في العلاقات المجتمعية.

بدأ القول مستعينًا بالله فقال لي أنه مغرم بمنطقته ومسقط رأسه في عسير اليسر والكرم، فحبها يطغى ويسمو. يقول: “تقاعدت من عملي، وحاولت أن أعيش بقية العمر بهدوء وسكينة بجوار الأهل والخلان، ولكن تفاجأت ببعض المضايقات من بعض أهل الجوار، وعانيت أكثر من بعض ذوي القرب بسبب اختلافات ورث قليلة لا تستحق الخلاف، ولكن النفوس لم توفق أو تجتمع على كلمة سواء. حاولنا الإصلاح والتقارب لمرات عديدة ولم نوفق.” يضيف: الحقني من احببته كثيرآ وهو أحد أقاربي اللوم وأجحف في ظلمي حتى أرفقت لهم إقرارًا تنازليًا عن كافة حقوقي رغم حاجتي لها، فتقاعدي بسيط وحالي مستور وميسور ولله الحمد فقد اضطررت لذلك لتبقى علاقاتنا في ود وأخوة، ولنكسب استمرار الحياة بروابط أسرية بعيدة عن التناوش بسواقط الكلم وربما العداء بسبب أسباب لا تستحق نتائج الخلاف.أضاف القول: “لامني أحد أطراف القرابة لتنازلي عن حقي بقوله: فتحت لنا بابًا آخر من الخصام.” لذلك غادرت منطقتي مع أسرتي الصغيرة مكرهًا حتى تعايشت في قطر آخر، على الأقل بتصالح مع النفس ومع من حولي، وأصبحت أزور منطقتي وعشقي صيفًا كضيف فقط، لتبقى شعرة معاوية هي الحل الوحيد.

الكلام هنا يطول، وأكتفي بما دار فأنا شخصيًا كدر خاطري حديث صديقي فالمشاعر حزينة ومؤثرة والأمر تافه ولا يستحق التصعيد. فالنفوس إذا تنافرت قست وأجحفت في الظلم وأبعدت المسافات وشح معها اللقاء وتدخل الشيطان في كل المساحات بضياع العلاقات وإفسادها. وأقول لنفسي ولصديقي ولكم جميعآ ان هذا الامر يعكس مشاكل اسرية واجتماعية شائعة ادت لخلافات بين الاقارب سواءآ كانت حقوق مالية او ميراث .

فتداركوا الأمر وادحروا النفوس الأمارة بالسوء واستعيذوا من الشيطان وقدموا كثيرآ من التنازلات ولا تفسدوا الود بينكم ورمموا جسور الاخاء التي شيدها الاجداد والآباء فالدنيا قصيرة والرحيل محتوم وما عند الله خير وابقى.

ومضة:

ارجوكم ابقوا لبعضكم وتذكروا ان الدنيا لا تساوي عند الله جناح باعوضة .

شاهد أيضاً

نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام يتطوع ليكون مسؤول المالية

بقلم الكاتب/ عوض بن صليم القحطاني أشار القرآن الحكيم إلى نماذج من تطوع نبي الله …

3 تعليقات

  1. (وَفي الأَرضِ مَنأى لِلكَريمِ عَنِ الأَذى
    وَفيها لِمَن خافَ القِلى مُتَعَزَّلُ
    لعَمرُكَ ما في الأَرضِ ضيقٌ عَلى اِمرئٍ
    سَرى راغِباً أَو راهِباً وَهوَ يَعقِلُ)
    ثابت بن أواس الأزدي.

  2. حقيقة مؤلمة

  3. دائماً مقالاتك تناقش قضايا اجتماعية نسأل الله أن ينفع بك وبما تسطره أناملك، وقد ذكرني هذا المقال بجولة قمت بها قبل مدة أنا وبعض الاحبة شمال جدة مررنا خلالها على مخططات سكنية ولفت انتباهي كثر لوحات اصبحت ممددة في وسط معظم الأراضي والرمال قد طمرت جزء منه، فسألت مرشداً عقارياً كان بصحبتنا عن هذه الظاهرة قال هذه نتيجة نزاع ورثة يتنامى حتى تخضع التركة للتقييم والبيع بالمزاد.
    وهذا مما يبين إن الطمع في الميراث قد يؤدي إلى تفرق الأخوة والأخوات، حيث أن الاستيلاء على حقوق الآخرين في الميراث أو عدم توزيع التركة بالعدل يُعتبر تعديًا على حدود الله، ومعصية لها عقوبة في الدنيا والآخرة، لاسيما ان هناك من ينقطع عن حقوقه سنين طويلة متغرباً لطلب الرزق، ثم يحضر ويريد ملكاً صافياً مصفى بينما المقيم في الديرة لحقه من العناء والخسائر مالحقه ثم يستصعب ان يطلب فيما أُنفِقَ على أملاكه من اعادة إعمار ومن مشاريع درء اخطار السيول وغيره، وبالمقابل فهناك من يبالغ في احتساب الخسائر، فتنشأ الخلافات ومن ثم اتساع فجوتها وتلاشي المحبة والوئام بين ذوي القربى من اجل دنيا ملعونة ملعون مافيها إلا ذكر الله وما والاه.
    ولحل هذه الخلافات، يجب الرجوع إلى الشرع والعدل في التقسيم، وقد يُلجأ إلى الاستعانة بوسيط محترف أو المحاكم لضمان توزيع الحقوق وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com