الكاتب : صالح الحمادي
تتسع المسافة بيننا، وشهر الخير “رمضان”، باتساع الهوة السحيقة التي صنعتها وسائل التواصل الجديدة، التي عزلت أفراد الأسرة الواحدة، وصنعتها أساليب تعاطينا للحياة الجديدة.
هذه المسافة تزداد اتساعا عاما بعد عام، ولم نعد نفرق بين استقبال هذا الشهر الكريم وتوديعه.
نستقبل الشهر بالموائد ورسائل الجوال ونودعه بالتسوق والسهرات المتواصلة إلى الفجر. نستقبله بفاتورة الطلبات المبالغ فيها، ونودعه بمفطحات ما بعد التراويح، نستقبل الشهر الكريم بسلبية الإنتاج الوظيفي، ونختتمه بفتح ملفات القريب والبعيد.
المسافة تتسع لأننا تعاطينا مظاهر العصر، وتركنا سمات الشهر الكريم، أخذنا القشور وتركنا المضمون، زحام في المساجد أول الليالي ثم التراجع ألف خطوة للوراء، تغيرت ملامح الشهر الكريم وأصبحنا أمام أزمنة مختلفة في الطعم واللون والرائحة، سنن رمضان وجبتا الفطور والسحور، بينما في عاداتنا التي طغت على عباداتنا ثلاث وجبات ليلا وسهر حتى الفجر ونوم طوال النهار، فهل هذا “رمضان” الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، وفيه ليلة تعادل ألف ليلة، وفيه أنزل القرآن الكريم، وفيه أفضل عشر ليال في السنة، وفيه تحققت للمسلمين أعظم الانتصارات بدءا من “بدر الكبرى”.
“رمضان” الذي نعرفه لا يعيق البناء والانتصارات والإنجازات، ولا يعطل العلم والتعلم، ولا يوقف العمل والإنتاجية. رمضان كريم في ليله ونهاره، ومفيد لصحة الأبدان، ومعطر للعلاقات الأسرية، فيه الخير والعفو والعتق، وفيه صلة الأرحام والزكاة والصدقة، رمضان الذي نعرفه يمتد روحانيا معنا طوال العام، فكيف بمن نسي ملامحه من أول ليلتين هذا العام؟
ابحثوا معي بفانوس حياتنا أو كشاف العتمة عن “رمضان” البساطة والتراحم والتواصل، “رمضان الطنطاوي وأم حديجان والتمامي”، “رمضان” أحب الشهور وليلة القدر التي لن يشاهدها المترقب لها وهو يسهر الليل وينام النهار.. “رمضان” الذكريات تاه في دهاليز حياتنا المعقدة وبقي منه: “صائم لا تكلمني”.
>