جدد خطابك !

ماجد الوبيرانماذا يعني أن نتلو آيات كريمة تنهى عن الاتصاف بصفات قبيحة؛ لكننا نمضي في تعيير هذا، وإطلاق لقب على ذاك؟!
 وليتنا أطلقنا ألقابًا طيبة ترفع من قيمة الإنسان الذي يتمتع بحصانة قد ضمنها له دِيننا الحنيف، بل هي ألقاب قبيحة تُطلق والمرء يسبُّ، وتُسمَع، فيملأ الضحك مجلس الخاسرين، مع علمهم بخطئهم، وبُعدهم عن المنهج السليم؛ يقول الشاعر:
أكنيه حين أناديه لأكرمَه
ولا ألقِّبه والسَّوءة اللَّقبُ
 وما لنا نسمع أحاديث شريفة تنهى عن التقاطع، لكن البعض لا يزال يقاطع؟!
يقاطع أخًا، أو أختًا، أو قريبًا، فلا يصل، ولا يتصل، بل ويتنصل من دوره الإنساني الاجتماعي في تطبيق علم مأثور، وعمل مأجور!
 يقول الدكتور طارق الحبيب: “يحفظ البعض مقولات دينية، ويردّدها دون فهم روح الدِّين، فتكون وبالاً عليه”.
 حقًّا، نحن بحاجة إلى فَهم عميق جدًّا لسمو هذا الدِّين، وألا نجعل حظَّنا منه كلامًا نقرؤه، ونردده دون أن نجعله سلوكًا!
 يمدح كثيرون آخرين رأوهم يلتزمون بقِيَم جميلة، ولا يبادرون للالتزام بها وتطبيقها!
 أحيانًا تتغلب العادة والثقافة الموروثة على العلم الصحيح، ويدير الهوى السيئُ والرغبة التي يتحكم بها المزاج دفةَ النفس البشرية، فتأتي التصرفات مخالفة تمامًا لِما ينبغي للمرء أن يفعله؛ يقول شاعرنا:
واللهِ ما أزرى بأمتنا
إلا ازدواج ما له حدُّ
 مسكين ذلك الطفل الذي أقبل على الحياة وإذا به يرى أسرة من حوله متناقضة.. يدرس شيئًا، ويرى في الواقع شيئًا آخر!
 تحاول المدرسة أن تبني الطفل، وتجهد الجامعة من أجل بناء الشاب، لكنهم جميعًا يعيشون في جوٍّ متناقض داخل الأسرة، وفي المجتمع.
 مما يعني أننا بحاجة إلى إعادة النظر في كثير من برامجنا وخططنا في بناء الإنسان البناء الصحيح الأمثل، والكل مطالب بهذا!
 كان إمام مسجدنا – جزاه الله خيرًا – في رمضان يقرأ درسًا كل يوم بعد العصر من كتاب دِينيٍّ عن الصوم، والصلاة، والتراويح، والزكاة، لكنه لم يحرص على انتقاء الجديد من الكتب مما يحتاجه الناس اليوم، ومن أهمها: الدعوة إلى التمسك بأخلاقيات هذا الدِّين من احترام، وأمانة، وصدق، وتسامح، ووفاء، وحب!
 يقف واعظ بعد صلاة عصر جمعة ليعظ، فإذا به يُعيد نفس الكلام الذي سمعه المصلون في خطبة الجمعة، يتكلم عن أهمية الصلاة ومكانتها، والبعض قد حضرها بـ: “مجول” البيت، أو قميص النوم، أو ملابس الرياضة بعبارت ورسومات في الصدر والظهر، وساق مكشوفة، وتقليعة شَعر منكوشة!
 أنا أخص العلماء والخطباء والأئمة والواعظين بالحديث؛ لأنهم أكثر الفئات تواصلاً مع عامة الناس وخاصتهم، ومجتمعنا يتأثر بهم كثيرًا؛ لأننا – ولله الحمد – مسلِمون، ونعيش في بلد هو قبلة المسلمين، نحب الدِّين وأهل الإيمان.. نقدِّر كل متمسك به ، ونجلُّه، ونجلس للاستماع له.
 وهذا يجعل مهمتهم مهمة عظيمة في رفع مستوى الوعي لدى الناس، وبيان أخلاقيات الإسلام، وقيمه، وضرورة التمسك بها اعتقادًا وسلوكًا، والتفاعل، والتواصل مع الناس من خلال كل وسيلة متاحة لهما.
 المجتمع تغيَّر كثيرًا، والناس اليوم مقبِلون على كل جديد، ومخاطبة الناس تحتاج إلى تجديد، مخاطبة تقرأ الواقع جيدًا، تعرف ما يحتاجه الناس، فتلبِّي تطلعاتهم، وتشفي صدورهم.
وَكُلُّ سَعيٍ سيَجزي اللهُ ساعِيه
هيهات يَذهَبُ سَعي المحسِنينَ هبَا
  ماجد محمد الوبيران 

>

شاهد أيضاً

إن خانتك قواك ما خانك ربك ولا خانك ظناك

بقلم: ابراهيم العسكري تعرضت قبل فترة لعارض صحي اعياني من الحركة وارقني من النوم واثقل …

16 تعليقات

  1. مجتمعنا يعاني من “ازدواج الشخصية” التي تحدث عنها كثيرا” الدكتور علي الوردي في كتبه ..
    والسؤال المهم :
    ماذا لوكان وعاظنا هم اجهل الناس بهذا الأمر ؟ وهذا هو الحاصل ؟ تجدهم اميين ( حقيقة ) حتى لو كان يسبق اسمه حرف الدال !

    برأيي بأن طريقة الخطاب الديني السائده يجب ان تتغير يجب ان يكون من يعتلي المنبر اهلا” له ..
    الطنطاوي رحمه الله لخص حالهم بكلام جميل في كتابه ” سيد رجال التاريخ ” يقول :

    ياسيدي يا رسول الله لقد كان معك اربعون تخفيهم دار الأرقم في اصل الصفا حتى ظهر الحق وفتحوا المشرق والمغرب
    وكان لك منبر واحد درجات مخشبات لا مزخرفات ولا منقوشات فأسمعت منه الدنيا كلها صوت الحق دعوتها فلٌبت وامرتها فأطاعت

    ولنا اليوم ألف منبر فيها النقش البارع والزخرف الرائع يعلوها الخطباء فينادون :
    يا أيها الناس اتقوا الله فلا يتقي احد .. لأن الخطيب ما قال إلا بلسانه والمستمع ما استمع إلا بآذانه
    قد فسد العلماء فهم يعلمون ولا يعملون ويزهٌدون من الدنيا ولا يزهدون ويقولون الساكت عن الحق شيطان اخرص ويسكتون ويتلون ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ويذلون للوزراء والأغنياء والسلاطين ..

    فسد العلماء ففسد الناس فمم اين يرتجى الصلاح ؟

  2. عبدالعزيزالقحطاني

    أحسنت ياابو محمد وهذة ثقافة مجتمع وانت تبني وغيرك يهدم فاسال الله السلامة وجزاك الله خيرا

  3. محمد آل مفلح

    مقال رائع أفرد فيه الكانب بعض السلبيات وكيفية معالجتها عن طريق تفعيل دور الخطباء من على المنبر…
    جزاك الله خير …

  4. بسم الله
    للأسف هذا ما يحصل عندما يطغى شيطان الإنس والجن ويطغى الهوى على قول الله ورسوله صلى الله عليه.
    بالأمس القريب، وكما قيل الشئ بالشئ يذكر تحدث امام جامعنا لكي يتطرق بكلمة قصيرة بعد صلاة عن الماء وأهميته والمحافظة عليه لما رأيته من عبث الصغار والكبار على حدٍ سواء وترك القوارير في المسجد مابين ممتلئٍ وفارغ ونصف ممتلئ ومنهم من يأخذ القوارير بالكميات وإذا خرجت من المسجد وجدتها ملقاةً أمام ساحات المسجد وكذلك تحدثت مع المؤذن ولكن للأسف.

  5. مبدع كعادتك …مقال يستحق الشكر .

  6. مفرح العسيري

    للأسف أن خطابنا الديني يراوح مكانه ولم يرقَ لمتغيرات الحياة العصرية، والشباب تحديدا للأسف فقدوا الثقة في هذا الخطاب وأصبح جلوسهم للاستماع فقط للمجاملة.
    تحياتي لك

  7. علي بن محمد المالكي

    أحسنت أستاذ ماجد

    فعلا نحن بحاجة لتطبيق عملي لكل ما أمر الله به
    فمثلا الصلاة يجب أن تنهى عن الفحشاء و المنكر و البغي ..

    نحتاج أخلاق القراآن في حياتنا عامة . .

  8. موضوعك في غاية الأهمية فكثيراً ما يعاد نفس الكلام حتى في خطب الجمعة وهذا يسبب ملل نحتاج للتغيير والتجديد حتى في داخل المنزل ،،
    تقبل مروري ،،، وتحياتي

  9. فهدالقحطاني

    وفقك الله على هذا المقال الرائع يا آبا محمد

  10. حسن الجابري

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    كلام جميل من أستاذ اللغة وما أجمل أن يتمسك الإنسان بأخلاقيات الدين الحنيف بارك الله فيك وفي جهودك المباركة أبا محمد…

  11. كلام رايع جدا من مبدع
    وهو الحاصل في وقتنا الحاضر فلابد من وقفه من العلماء وايمة المساجد في هذا الشان

  12. أحمد آل حازب

    لعل الله ينفع بكلامك .
    دمت بخير وعافيه

  13. عبدالله آل نملان

    كلام راااااائع
    المشكلة هذه ثقافة مجتمع …..
    والحل لازم تفرض على المجتمع قوانين جديدة وصارمة
    تكون موافقة للشريعة
    عشان يتغير …..
    شكرا لك .. تحياتي .

  14. محمد الشلهوب

    جزاك الله خيرآ
    و رحم الله والديك
    كلام جميل جدآ و بذات في هذا الزمن من يذهب الى المسجد بثوم النوم و ملابس رياضه
    و لا حول و لا قوه الا بالله العظيم

    اتمنى لك التوفيق اخي العزيز/ ماجد..

  15. يوسف آل حازب

    متى ما أردنا أن نوقف عجلة الزمن التي تسير بسرعة كونية فإننا نسعى لإيقاف موج البحر في ليلة منتصف الشهر بملعقة طعام صغيرة . الأمر يحتاج إلى وقفة ضخمة جدا ولن يستطيع إمام المسجد بل ولا حتى جمعية أسرية من التصدي لهذا الكم الهائل من التغييرات التي تتلاطم على عقول وأفكار أفراد المجتمع بمختلف طوائفة وطبقاته العمرية . نحن في الحقيقة نحتاج إلى بناء مؤسسات تربوية ضخمة تكون معنية بتطوير جميع أفراد المجتمع لأن الجميع يتغير والجميع لابد أن يواكب هذه التغييرات . فالأب الذي يريد فرض السياسة التربوية التي نجحت في مرحلة زمنية سابقة لن يستطيع أن يمررها على أبنائه في هذه الثورة الأنفتاحية وكذلك الأم والمدرسة بل وحتى الخطاب الديني لابد أن يمزج الأسس الثابتة بالمستجدات الحديثة وسبكها في قالب جديد يكون أكثر موائمة وفاعلية وتقبل من مختلف فئات المجتمع .
    أما غير هذا فنحن ندور في دائرة مفرغة وكلٌ يغني على ليلاه . فلأب لا يعلم بماذا يوجه أبنائه , والأبناء يتضجرون من الهيمنة الأبوية بطرفيها . والمدرسة تلقن في الصباح ما يتم مسحه بالمساء والخطيب ينتحب ويبكي في أذن من لايعي عن أي شيء يتحدث .

    شكرا أبا محمد ودمت نبض المجتمع …

  16. هشام هاشم الغمري

    الكاتب اشار الى بعض السلبيات التي تفشت في المجتمع و اوضح ان ديننا الحنيف قد حق على مكارم الاخلاق ونهى الهمز واللمز والتنابز بالالفاظ وقطيعة الرحم.
    و عرج كاتبنا المفوه على الواقع الذي يعيشه مجتمعنا من قصورنا في تطبيق ما نؤمن ونتعقد به وان الخطباء والوعاظ لهم الدور الاساسي والمسؤولية تقع عليهم في تجديد خطابهم لرفع وعي المجتمع وتثقيفه وحثه على كل ماهو جميل وترك كل ماهو قبيح.

    كل ذلك صاغه الكاتب باسلوب سلس وبجمل متناسقة وبعبارات منتقاه لشد القاريء اليه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com