محايل التي رأيتها..

للدكتور / محمد بن علي بن درع

مع طلق الظهيرة الخرساء وقد انتفخ النهار انطلقت مع عملاقي القيادة والإبداع شمعة القصة الواقعية الدكتور محمد منصور الربيعي والوهج القصصي الأستاذ فايع آل مشيرة عسيري يحملانني ويرشدانني ويهديانني الطريق , كلنا نجوز إلى محايل الشماء , كنت مستنداً إلى النافذة مبحراً في عوالم شتى , يسوقنا شوق وتوق وشغف ونشوة اللقاء وظمأ اللهفان , قد سلكنا عقبات عصية ملتوية تتنهد كأنها تُنفس بعض أكدارها , تزاحمنا جبال شاهقة شامخة غاضبة جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود , نطارد سرابها بقيعته نحسبه ماءً , بدأت عاطفتي تغلي وقلبي يتنفس معها كأنه قطعة صغرى منها …
وعلى مدخلها العبق تعانقت صورة الجمال الأرضي مع صورة الجمال الكوني , افترت بثغرها الباسم وفمها الوردي , تحيينا بتحية السلام , سلام الدنيا كله الذي حلّ في كل أرجائها .
محايل الحسناء نهارها على ما تشاؤه يطلع بالصباح عليها ربيعاً وينقلب في الظهيرة شتاء ويحول في الصيف خريفاً ويرجع في العشية صيفاً , قد تعلقت شمسها بغيوم سحبها .
أشجارها الناضرة الممتلئة بالأوراق يصفق بعضها لبعض وكأنها مكتبة يتصفحها الهواء قد لمحت عيوننا واحة غناء خميلة يانعة ملهمة استوقفتنا ذرتها الباسقة وسنابلها اليافعة لنلتقط صورة لنا معها لا تفارق خيالنا أبدا , حينئذ هدهد النسيم أعطافنا , وعزفت شقشقة العصافير سيمفونيتها العذبة موسيقا الترحاب بنا في تمازج مع الطبيعة لا يوصف .
وقفت على وادها المديد تيّه , واد يتدافع الماء في مسيله وينعطف ويتمعج ينساب بالحياة , ترك الماء على عطفيه خضرة ونضرة وبرداً وسلاماً .
فيما كان الشفق ينثر حمرته الشفافة الشاعرية على مدارج السماء وقفت عند جبلها هادا فكان وقوراً أرعن طماح الذؤابة باذخاً قد طاول أعنان السماء بغارب , وسد مهب الريح عن كل وجهة , تدثرت قممه بالبشام , واتشحت سفوحه بسمرة تزداد كلما دنت من الأرض , أصخت إليه فحدثني ليل السرى بالعجائب …
وغابت الشمس عن كبد السماء وبقي لفحة من حرّها ومن حرّ أنفاس الذين تشرق عليهم , وأقبلت الطيور ملائكة الطبيعة على المناغاة , وأقبل العشاق ملائكة الناس على الفكر والنجوى , وأقبل الشعراء من وراء أولئك ينظمون الإبداع فامتزجت ألحان الملائكة بأنغام الطيور وآهات العشاق فكانت محايل مسكرة للعاشقين ومستهام المبدعين .
مرت النسمات بليلة كأنها قطع رقيقة تناثرت في الهواء من غمامة ممزقة , ولبس الكون تاجه العظيم فأشرق عليه القمر الزاهي الرفاف كأنه اغتسل وخرج من البحر .
وتتبعنا الجمال المنظور فتبدت لنا محايل الهيفاء قد أتم خالقها جمالها فكانت فتنة إذا نظرت إليك نظرتها الفاترة فإنما تقول لقلبك إذا لم تأت إليّ فأنا آتية إليك .
تشعر أن في دمها شيئاً لا يوصف ولا يسمى ولكنه يجذب ويفتن حتى ليظنها كل من حادثها أنها تحبه وما بها إلا أنها تفتنه .
تأخذك أخذ السحر لأن عطر قلبها ينفذ إلى قلبك من الهواء فإذا تنفست أمامها فقد عشقتها , تراها ساكنة وادعة أمام عينيك ولكن قلبي يشعر أنها تهتز فيه وتضطرب فلا يزال قلقاً نافراً يتململ فلا براءة لك منها ولا مخرج لك من حبها قد ملأت قلبي حباً وعشقاً يكاد يملأ سماء عقب سماء ويغوص في أرض تلو أرض ….
ولاحت لي الحيَلة فلامس روحي روحها كأنها ألفاظ حب رقيقة , والنسيم حولها كثوب الحسناء على الحسناء , كأنها قطعة من سماء الليل فيها دارة القمر المطل من عليائه قد أنار محايل كلها وهادها ونجادها وسهلها ووعرها وعامرها وغامرها وحاضرها وباديها , وفيها نثرة من النجوم الزهر المتبعثرة , وهناك ربوتان من أفانين الزهر المختلفة ألوانه يحملها خمل من ناعم النسيج الأخضر على غصونه اللدن تتهافت من رقتها ونعومتها .
تدلت عليها قلائد المصابيح كأنها لؤلؤ تخلّق في السماء لا في البحر فجاء من النور لا من الدرّ .
سقتك غوادي المزن في المنتأى الذي *** يسحّ ويستمري السماكين بالوبل
ثم فئنا إلى مجلس السلام بأرض الريش ضيوفاً على أسرة آل الزين بيض الوجوه كريمة الأحساب زكية الأرواح نبيلة الأخلاق أطل علينا كالغيث في مهامة البيداء العطشى شيخيها عالي النسب أبو طالب مرحبا متهللاً , وتراءى لنا قصر منيف عليه النخل مشتمل , قد مُزجوا بحلاوة الإيمان الفطري , وتغذت قلوبهم الوضيئة بنور السماء فلا تبرح ناضرة ما بقيت في السماء لمعة نور كأنهم أرواح النهار ضياء , نشروا على خيوط القمر ليلا من ليالي الجمال , كأنهم السعادة المقبلة , قد ارتوت نفوسنا من حديثهم , وخلقوا فينا الحب والخير , فتهيأ لهم في القلوب مودة وقبولاً , وكان قراهم لنا حديثاً سرت به الركبان وتعاقبت عليه الألحان ….
ومع هزيع الليل ودعنا محايل ودموعنا تسكب أشجانها لله أنت يا محايل ولله جمالك الفتان , محايل ميراث الإنسانية وهدية التاريخ , وراية السلام الإلهية البيضاء , والساحل الذي تقف عنده أفواج الألفاظ والمعاني الإبداعية .
أصبحت يا محايل أغنية عذبة في فم الشاعر ينشدها وهو بين ظهرانيها , وأنشودة ساحرة على لسانه يرددها وهو مغترب عنها .
حنانيك يا محايل سترفرف الأحلام العذبة في سمائك , وستشدو بأعذب الألحان بلابلاك , وستزهر بالمنى حلو السنابل , ولسوف تنساب في رياضك أعذب الجداول …
النار بالنار لا تُطفأ إذا اتصلت ***
فكيف أصنع في قلبي لينساك ؟؟؟؟>

شاهد أيضاً

بإشراف من مدير فرع " فنون " بيشة
 
إشادة من المتدربين والجمهور لورش المسرح من ” الفكرة إلى الخشبة “

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل : بإشراف من مدير فرع جمعية الثقافة والفنون ببيشة …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com