قراءة تذوقية لقطعة الأديب : إبراهيم طالع الألمعي للدكتور محمد بن علي درع

صحيفة عسير :

قراءة تذوقية لقطعة الأديب :
إبراهيم طالع الألمعي
للدكتور محمد بن علي درع

غرّد الشعر في الذرا والنجود
وطريق من الدما وبنود
يا طريق الشهيد لست شعاراً
أنت شعب وأنت معنى الخلود
لست أمشي عليك بل أنت تزهو
فوق رأسي ببيرق وشهيد

لما قرأت هذه القطعة رأيتها قد راقتني وكثرت عندي , ووجدت لها اهتزازاً وطرباً في نفسي فعدت أنظر في السبب واستقص النظر فوجدت أن مقياس جودتها ومكمن حسنها هو مدى تأثيرها في نفسي بما جمعت في إطارها من سمو المعاني الشريفة والعميقة ( فطريقه دفقة أهازيج , وأنشودة ملاحم , ورمز شهادة , ولحن خلود , وبيرق شهيد , وتاريخ مسطور )
وأما ألفاظها فجاءت رشيقة عذبة سلسة خفيفة الحروف , تأمل معي قوله : ( غرّد – الشعر – الذرا – الدما – الشهيد – الخلود – بيرق – شهيد …)
وحفلت هذه القطعة بالدلالات الموحية , اقرأ إن شئت : ( غرّد – الشهيد – الذرا – النجود – الدما – شعب – معنى الخلود – بل أنت تزهو– بيرق – شهيد )
وأما تراكيبها فهي تراكيب بليغة لا يتعثر فيها اللسان ولا الذوق , ولا تقع فيها على تنافر في الألفاظ أو غموض أو مخالفة لأقيسة اللغة , وقد جاءت كثير من التراكيب معبرة تعبيراً صادقاً عن عواطف الشاعر وانفعالاته مثل : ( غرّد الشعر – يا طريق الشهيد – لست شعاراً – أنت شعب – أنت معنى الخلود – بل أنت تزهو– لست أمشي عليك )
وتلاعب الشاعر بتراكيبه فراوح بين الجمل الاسمية والفعلية فاجتمعت لتمثيل الجمع بين الثابت الدائم والمتحول المتغير المتجدد , ونرصدها في قوله : ( غرد الشعر – لست شاعراً لست أمشي ) وفي قوله : ( أنت شعب – أنت معنى الخلود – أنت تزهو ) .
وتستوقفني جموع الكثرة ( الذرا – الدما – الخلود – النجود – شعب – بنود ) ولا شك أنها تنبئ عن تزاحم وتكاثف واحتشاد المشاعر والبهجة والسرور في أعماقه .
وتشع في هذه القطعة كلمة ( طريق ) بنورها الوهاج وهي بلا شك لفظة محورية كشفت عن عشقه المتميز لطريقه المتميز .
وامتازت هذه القطعة بتنوع الأساليب وتلونها , والتي كشفت عن حالته النفسية تتراءى لنا من خلال توظيفه أسلوب القصر في قوله : ( أنت شعب – أنت معنى الخلود ) والذي يفيد الاختصاص والحصر .
وحقق النداء الممدود إلى المشغوف به في قوله : ( يا طريق الشهيد ) قيمة نفسية رائعة مفيداً بذلك التوله والولع الذي يساكنه ولا يفارقه .
كما نستشف أسلوب النفي والمنع في قوله : ( لست شعاراً – لست أمشي عليك ) ويسهم الإضراب المبطل لما قبله المؤكد ما بعده في : ( بل أنت تزهو ) في عزة وزهو هذا الطريق .
وتتعانق في تضاعيف هذه القطعة الإضافة المعنوية التي تفيد الاختصاص , اقرأ : ( يا طريق الشهيد – معنى الخلود – رأسي ) .
ونلمح التنكير في : ( طريق – بنود – شهيد – شعب – بيرق – شعاراً ) وأفاد ذلك كله التعظيم , وكذا تكثيف الضمائر المتصلة والبارزة , مثل : ( أنت – لست – عليك ) ليقدم لنا ذاته في حال معينة وفي مكان معين وخلال زمنية معينة .
وما استخدامه موضع المكان { الشهيد } إلا إيحاء بمكانة هذا الطريق عنده , ولأنه يريد أن يجسد حالة الاستغراق التي استحوذت عليه .
ومنذ الوهلة الأولى تهزنا صوره الرائعة التي اتكأ عليها , التمسها في : ( غرّد الشعر في الذرا والنجود – أنت شعب وأنت معنى الخلود – بل أنت تزهو فوق رأسي ببيرق وشهيد ) حيث تمكن برسمها الكلي من نقل أحاسيسه والتعبير عن معانيه بقصد التأثير في متذوقيه .
ولم يركز على المحسن البديعي لأن الهدف من هذه القطعة إيصال المعاني واضحة وليس التزيين ومع ذلك نجد التصريع في مطلعها , وترى ما ترى من الرونق والطلاوة ومن الحسن والحلاوة على جذب انتباه السامع , وتوفير كثافة موسيقية مؤثرة , ولما له أيضاً من موقع من النفس لأنه يحرك الإحساس بالقافية في نهاية البيت قبل الوصل إليها .
وتسيطر على الشاعر عاطفة الفخر والإعجاب بهذا الطريق , وهي عاطفة صادقة تعبر تعبيراً حقيقياً عما يجيش في نفسه , ومهما يكن من أمر فإن حبه وشغفه وعشقه لهذا الرمز قد أشعل كيانه ووجدانه ومن هنا كانت التجربة ملموسة بوضوح وصدق وإخلاص .
وترقص القصيدة على البحر الخفيف وهو بحر ساطع بارز واضح النغم صالح للترديد يتفق والبهجة والسرور , وأقام قافيتها على الدال ذات الجلجلة والقلقلة إذ أفصحت عما يعتمل في نفسه من مشاعر الحب والوفاء والبهجة والسرور والفخر والاعتزاز ممزوجة بالرقة التي باحت بها أبياته , حقاً إنها قطعة موسيقية مكثفة قد تم تنظيمها حول بؤرة مركزية حتى غدت بنية متماسكة قوية .>

شاهد أيضاً

بإشراف من مدير فرع " فنون " بيشة
 
إشادة من المتدربين والجمهور لورش المسرح من ” الفكرة إلى الخشبة “

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل : بإشراف من مدير فرع جمعية الثقافة والفنون ببيشة …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com