بقلم/ حسين ضيف الله مريع
عامر مراهق في الخامسة عشرة من عمره، من أسرة كريمة محافظة ومتشددة!
بعد حصوله على شهادة الكفاءة بتفوق في نهاية السبعينات الهجرية أستأذن والده للذهاب مع زملائه في رحلة برية لأحد الأودية الجميلة ذات المناظر الخلابة فأذن له.
ذهب عامر مع زملائه وحطوا رحالهم في الوادي ، وبعد تناول طعام الإفطار وشرب الشاي غرر به اثنان من زملائه ليشاركهم التدخين في مكان بعيد عن الأنظار! لكنهم انكشفوا فقد رآهم أحد الزملاء وبعد عودتهم أخبر أخا عامر الأكبر بما حصل من أخيه من تدخين السجاير فأخبر والده بما حصل من عامر!
ثارت ثائرة الأب وهدد وحلف بضرب عامر ضربا يقربه من الموت؛ فالتدخين في تلك الحقبة من الزمن كبيرة من الكبائر في عرف القبيلة وجريمة كبيرة لا تغتفر!!!
همست أم عامر في إذنه قبل وصول والده للبيت بالذهاب إلى بيت أخواله حتى تنطفئ شدة غضبه. بعد علم أخواله بما حصل منه تنمروا عليه، ونبذوه ؛ لكن جدته الحنونة قالت لعامر:
لا عليك، سأشفع لك عند أبيك؛ وكانت قد لامته على فعله. غادرت الجدة الحنونة متوجهة إلى بيت والد عامر للشفاعة، لكن والده كان متصلباً ومتشدداً وأصرَّ على حضور عامر؛ لإيقاع أشد العقوبة عليه وقد هدد بسجنه!
عادت الجدة إلى بيتها، وأخبرت عامر بموقف والده، وطلبت منه أن يتوجه إلى قرية صلهبة ؛ حيث تسكن خالته على ألا يخبرهم بما حصل منه، وبأنه يريد أن يقضي عندهم بضعة أيام من الإجازة لعل وعسى أن تحل المشكلة.
في هذه الفترة خرج عامر قبل أذان المغرب هائما على وجهه، متخفيا في ظروف نفسية صعبة!!!
مشى حتى شعر بالتعب!
لقي دكة في طرف المدينة… جلس عليها وهو يفكر في مخرج من هذه الورطة التي لقي نفسه فيها!!!
فجأة! ظهر محمد جنادي وهو أحد أبناء الحي كان قد اختفى من فترة طويلة، رحب به وسأله عن سر اختفائه فأجابه بأنه هاجر إلى الكويت من أجل لقمة العيش وهناك حط رحاله وحصل على الجنسية وأنَّ اسمه حاليا (محمد العجمي) وقد حصل على عمل في إحدى الشركات وتدرج فيها حتى وصل إلى درجة كبيرة وعين في وظيفة مرموقة وقد تزوج وبنى بيتا وهو في غاية السعادة، ثم التفت إلى عامر وسأله:
مالي أراك واجما شاحب الوجه شارد الذهن؟!
فما كان من عامر إلا أن أخبره بكامل علومه.
عرض (العجمي) على عامر الهجرة معه وأنه مستعد لدفع كافة مصاريف سفره حتى دخول الكويت… فقط عليه أن يحضر معه الهوية ( حفيظة النفوس ) !
وافق عامر على الفور وقال له: اتفقنا…
عندها أخبره العجمي أنَّ موعد السفر غداً بعد صلاة العصر…
عاد عامر إلى بيت جدته، وأخبرها أنه سينام الليلة عندها وغدا سيتوجه إلى بيت خالته؛ لأنه لا يستطيع الآن ولاسيما أن الشمس قد بدأت تميل إلى الغروب…
خرج عامر متسللاً قبل صلاة الفجر، وجلس على الطريق التي يسلكها والده إلى المسجد متخفيا! وبعد أن تأكد من دخوله للمسجد ذهب للبيت وطرق الباب بهدوء… خرجت أمه تسأل من بالباب؟! فأخبرها بصوت خفيض إنه عامر! فتحت الباب، وطلب مساعدتها في إعطائه بعض الثياب؛ لأنه سيتوجه غداً إلى خالته في القرية بناء على توجيه من جدته؛ ليقضي عندها بضعة أيام لعل المشكلة تحل في هذه الفترة انشغلت الأم بإحضار بعض الملابس، أما عامر فقد توجه لسرير والده، وأخذ الكمر (الحزام) من تحت الفراش، وأخذ ما فيه من نقود، ووضعها في جيبه! بعدها ذهب لأمه في الداخل، وأخذ الملابس، وودعها بحرارة، و وضع رأسه على صدرها، وأجهش بالبكاء حتى أبكاها وقالت له: ستفرج يا عامر بإذن الله، لكنها لم تعلم أنه الوداع الأخير!!!
توجه عامر إلى المسجد؛ لأداء صلاة الفجر، ثم عاد لبيت جدته، ونام، وحين حان وقت صلاة الظهر ذهب لأداء الصلاة ، ومن هناك توجه إلى بيت صديقه العجمي، وبعد العصر توجها إلى محطة نقل الركاب، ومن هناك استقلا سيارة شحن مرسيدس إلى الرياض…
كانت رحلة مليئة بالصعاب والمخاطر؛ حيث أصابه الكثير من التعب والنصب ووعثاء السفر ولم يصل إلى الرياض إلا بعد ثلاثة أيام بعد رحلة شاقة ومضنية…. ومن هناك ركبا في سيارة تعتبر مريحة إلى الكويت وقد نام عامر نومة هنية في السيارة وهو في طريقه إلى الكويت وصل عامر ودخل الكويت بطريقة غير رسمية، وقد وصل عامر ومضيفه إلى البيت مع أذان المغرب، وكانت المفاجأة الصادمة حينما دخلا إلى البيت إذ لا وجود لعائلة كما قيل له! وحين فتح الثلاجة لقي قوارير ملونة مملوء بشراب لم يعهده من قبل، ولم يسبق له أن رآه!!! فاستفسر من مضيفه فقال له على الفور: هذا ويسكي (ي-يا عامر) وسيأتي بعد صلاة العشاء الشباب وسنقضي ليلة صاخبة وسهرة ماتعه!!!
التزم عامر برباطة جأشه، بحكمة -وهوالذكي بطبعه- فقال لصديقه العجمي:
–
-كما تعلم أنا محافظ على صلاتي وقد أذن للمغرب ولا بأس أن أذهب للمسجد وأصلي ثم أعود لنقضي ليلة صاخبة وماتعة كما تريد.. طار العجمي فرحا بهذا الرأي واحتضن عامر وقال له:
– أيوه كذا “ي عامر” و “بلا شي عقد” ….
خرج عامر للصلاة ولكنه ترك المسجد القريب من البيت وهو يمشي بخطى سريعة وليس على لسانه سوى لاحول ولا قوة إلا بالله حتى صار بعيدا عن البيت ودخل في حي آخر ثم وجد مسجداً كبيراً حوله دكاكين كثيرة ما يشير إلى أنه سوق…..
دخل عامر المسجد وقد انتهت صلاة المغرب ولم يبق في المسجد أحد من المصلين إلا المؤذن يهم بإغلاق المسجد… استأذنه عامر ليصلي فأذن له، صلى عامر وتوجه للمؤذن الجالس في انتظاره، اقترب منه وسلم على رأسه وجثى على ركبتيه وشرح له قصته من بدايتها إلى نهايتها، وسأله فيما إذا كانت هناك غرفة في المسجد يمكن أن يسكن فيها حتى يجد عملا… تعاطف معه المؤذن ورحب به وسهل وقال له: نعم توجد غرفة صغيرة ربما تناسبك فيها بعض الأجهزة والأثاث، يمكن أن تضعها في ركن من أركان الغرفة…
أعجب عامر بالغرفة وشكر المؤذن وقال له: جزاك الله خيراً… بعدها أعطاه المؤذن مفتاح الغرفة التي يطل أحد أبوابها على الشارع، وشعر بالاطمئنان وتنفس الصعداء وعرض عليه المؤذن خدماته حين يحتاج مساعدة، فقال له عامر: إن لدي مبلغا من المال أخذته من والدي دون علمه تحسبا لموقف كهذا، ثم شكره… خرج عامر وتناول طعام العشاء في أحد المطاعم وابتاع من السوق ما يحتاجه للسكن من لوازم النوم والشرب، ثم عاد إلى الغرفة ونام بعد تعب، وصحا على أذان الفجر وقام وصلى جماعة، وبعد الصلاة شكر مضيفه المؤذن على ما قدمه له ليلة البارحة وطمأنه على وضعه، ثم انصرف إلى غرفته، وبعد أن استراح قليلا… قرأ جزء من القرآن وبعض الأذكار، أصبح هذا ورده اليومي ثم نام وخرج مع تباشير الصباح وذهب إلى أحد المطاعم القريبة وتناول وجبة الإفطار ثم دخل السوق يبحثه ويستقصي علمه فوجد شباباً من جنسيات مختلفة يبسطون بضاعتهم على عربيات عبارة عن _إكسسورات خاصة بالرجال والنساء… استحسن عامر فكرة البيع على العربية، ولكن لأنه من أسرة تبيع الملابس والقماش فقد أمضى يوماً كاملاً في السوق صباحاً ومساءً يتعرف على ما يبتاعه النساء من هذا السوق بعدها سأل أحد الباعة الباسطين:
أين تباع هذه العربيات؟ وقد دله على مكانها وطلب من صاحب المنجرة أن يزيد في مساحتها قليلا ويضع لها دولابا في الأسفل؛ فلديه مبلغ من المال لا بأس به، وبه بدأ، حيث (أشترى-اشترى) بضاعة خاصة بالنساء من النقاب والمقالم والعباءات والأرواب وأدوات الزينة ووضع بسطته أمام أحد المتاجر بعد أن استأذن من صاحبه فأذن له وقال له: رزقي ورزقك على الله “ي وليدي”؛ مما شجعه وأكسبه الطمأنينة. بدأ عامر في ممارسة البيع بعد أربعة أيام من سكنه ، كان عامر حريصا على الصلاة فكان يذهب للمسجد قبل الأذان للصلوات بوقت كافٍ حيث يغطي بسطته ويتوجه للمسجد مما أكسبه احترام أهل السوق! لقد أقنع عامر نفسه إن الله عز وجل قد كتب له رزقا في هذا البلد، وسخر له (العجمي) لينقله من بلده إلى حيث رزقه ثم يفترقا بعد وصولهما !!! كان عامر يقضي جزءا من ليله في الصلاة وقراءة القرآن وحفظ بعضا منه، أما النهار والمساء فيقضيهما في البيع والشراء، وقد بارك الله لعامر في بسطته، وكسب محبة الناس بأخلاقه وحسن تعامله معهم!
وفي أحد الأيام وبعد أن فتح عمه (جاسم) صاحب الوجه الوضيء متجره صباحا نادى على عامر ليشرب معه القهوة، بادر عامر بالحضور وأثناء شربهما للقهوة سأله:
– من أين أنت؟
فأجابه عامر:من السعودية، وتحديدا من الجنوب..
_ كان حدسي يقول إنك كما قلت؛ لأنك مختلف عن باقي الباعة في حرصك على الصلاة وحسن تعاملك مع الناس وقيافتك…
هل أنت من عائلة مقيمة هنا؟
_ لا
وبعدها قص عليه عامر قصته من أولها إلى آخرها
_ لاحول ولا قوة إلا بالله وكيف حال أسرتك الآن وكيف وضع أمك ؟
_ قدري أن آتي إلى هنا ربما كتب الله رزقي في هذا البلد
_ بالتوفيق “ي وليدي” الله يرزقك من واسع فضله
_ جزاك الله خيرا “ي عم” جاسم تشرفت بمعرفتك
منذ ذلك اليوم نشأت علاقة بين عامر وعمه جاسم كعلاقة الابن بأبيه تخللها الكثير من المودة و التقدير والاحترام وحرص كل منهما على الآخر ففي صباح كل يوم يستقبل عامر عمه جاسم ويأخذ من يده دلة القهوة وعلبة التمر والمفاتيح فهو من يفتح متجر عمه جاسم ويجلس معه يتبادلان الحديث عن السوق والبيع والشراء وقوة وضعف السوق وبعد عام من دخول عامر الكويت وبداية عمله في السوق نالت الكويت إستقلالها عن بريطانيا عام 1961م وأصبحت ذات قرار سيادي (أنعكس-انعكس) ذلك على أمنها واستقرارها حينها دخلت في طور من النماء والتطور وتحسن الاقتصاد وانتعشت الأسواق وفي هذه الأثناء أشار جاسم على عامر استئجار المحل المقابل له العائد لشخص توفي قبل أشهر
_ تشيرني على ذلك؟
_ نعم خاصة وأنك قد ذكرت لي منذ فترة إنه أصبح لديك مبلغا من المال لابأس به وسأستأجره لك وستنجح بإذن الله فأنت مبروك “ي وليدي”…
_ على بركة الله
قام عامر بعمل الديكورات اللازمة للمتجر وأضاف إلى نشاطه الأقمشة النسائية والرجالية وهو ما يجيده فهو من أسرة مهنتها بيع الأقمشة نجح عامر نجاحاً منقطع النظير في محله الجديد ووسع الله له في رزقه وأصبح من المشهورين في بيع الأقمشة في السوق حينها استأجر بيتاً قريباً من السوق وقد تعرف إلى جيرانه ووجد أن هناك
أُسر من الأرامل واليتامى والفقراء، فكان يقتطع جزءا من أرباحه للصرف على هذه الأسر وقد تكفل بكل ما يحتاجونه من غذاء وكساء ودواء ومصاريف الدراسة للأبناء وبعد هذه المواقف الإنسانية رزقه الله وبارك له أضعاف الأضعاف ، وفي أحد الأيام أخبره العم جاسم بأنه سيحاول أن يسعى له في الجنسية الكويتية وهو من الأعيان والمتنفذين وسيبحث عن اسم قبيلة يضيفها له لكن عامر رفض فكرة القبيلة وقال لعمه جاسم إن هذا لا يجوز لقوله تعالى ( أدعوهم لآبائهم ) فإن تيسرت باسمه المعروف عنه كاملا، وإلا فلا….
_ سأحاول “ي وليدي” وكثر الله من أمثالك. أخذ العم جاسم من عامر بياناته كاملة وانصرف وفي انشغال عامر بتجارته فاجأه العم جاسم ذات يوم بحصوله على الجنسية حسب رغبته …
_ جزاك الله خيرا “ي عم جاسم” واحتضنه وقبله وبعد أشهر من حصول عامر على الجنسية وإذا بعمه جاسم يلمح له بأنه قد تجاوز العشرين من عمره وأنه لابد أن يقدم على الزواج قبل أن يفوته القطار
_ أنا لا أعرف أحدا هنا وأخشى أن أتورط في أسرة غير مناسبة
_ لا عليك سوف أدلك على الأسرة المناسبة وسأتولى أمر زواجك بنفسي
_ على بركة الله ي عم جاسم _ تستطيع أن تزورني في بيتي غداً بعد صلاة المغرب _ بإذن الله.
حضر عامر إلى منزل عمه جاسم ورحب به وقدم له واجب الضيافة ، استأذنه ثم خرج قليلاً وعاد وخلفه فتاة محتشمة ولا أجمل _ ما رأيك “ي عامر”
_ تبارك الله ما شاء الله توكلنا على الله يا عم جاسم ، بعد زواج عامر واستقرار أحواله بدأ عهد جديد لعامر ومرحلة جديدة في التجارة حيث قطع جواز سفر وقرر العمل في تجارة الجملة وذهب للخارج لشراء البضائع من الأقمشة الرجالية والنسائية والملابس الجاهزة وشيئا فشيئا حتى أصبح واحداً من كبار تجار الأقمشة والملابس في البلاد وفي اثناء ذلك كانت تعرض عليه الأراضي فاشترى كثيرا منها حول السوق وفي المواقع الإستراتيجية وعندما قامت الطفرة الأولى عام 1975م بعد ارتفاع أسعار البترول ارتفعت أسعار الأراضي وكان محظوظا إذ باع بالملايين وحصل على تعويضات من الدولة بالملايين وفي كل يوم تزداد تجارته وتزداد أمواله فبنى الفنادق والمجمعات السكنية والمولات حتى أصبح واحداً من كبار رجال الأعمال في البلاد وقد استغل -جزءا من أمواله في أعمال الخير فبنى الأربطة للأرامل والأيتام والمسنين وبنى إسكاناً خيرياً للفقراء والمساكين وحفر الآبار وبنى المساجد كما بنى جامعين كبيرين لوالديه ولم ينس الشباب من أبناء الأسر الفقيرة والمحتاجة لتكملة دراستهم في الخارج فأوفدهم إلى أوروبا وأمريكا لإكمال دراستهم العليا وقد استفاد عدد كبير منهم وقد عادوا حاملين لشهادات الماجستير والدكتوراة في كثير من التخصصات ثم أصبحوا أساتذة في الجامعات وأطباء في المستشفيات ومهندسين في البلديات والأمانات وأصحاب وظائف مرموقة في الوزارات.
بعد هذه الأعمال الإنسانية والجليلة أصبح عامر حديث المجتمع ومن وجهاء وأعيان البلاد، و أصبح يلقى الكثير من التقدير والاحترام في كل مناسبة ومكان يوجد فيهما . وذات عصرية وفي غمرة استعراض مسيرته التجارية الحافلة بالكفاح والعطاء والإنجاز بدأ يلوم نفسه كيف نسي أسرته خلال هذه الفترة الطويلة ولم يتذكرها ولم يتذكر أمه الحنونة ولم يفكر في حزنها وألم فراقها عليه فدمعت عيناه وبينما هو في هذه الحال رن جرس الهاتف وإذا بصديقه السعودي الذي تعرف عليه من وقت قريب يدعوه لحضور مناسبة خاصة في منزله بعد صلاة العشاء ، حضر المناسبة وبينما هو في المجلس وقعت عيناه على دليل الهاتف السعودي فأخذه بشغف وبدأ يتصفحه حتى وصل على بيان أرقام مدينته فأخذ رقم أخيه الأكبر وسجله في قصاصة ووضعها في جيبه وحين عاد من المناسبة إلى البيت كان أول عمل له هو الاتصال بأخيه، وسلم عليه وعرفه على نفسه أنه أخوه الأصغر عامر ويا لها من فرحة غامرة أعقبها أخوه بعتاب طويل جداً، ثم أجهشا فيه بالبكاء وسالت دموع غزيرة، وعده عامر في نهاية الاتصال بأنه سيكون حاضرا عندهم بمشيئة الله خلال اسبوع ، في اليوم التالي الساعة العاشرة صباحاً يتوجه إلى البنك لتحويل مبلغ مالي إلى بلده السعودية ليحسن به أوضاع أسرته عند زيارته لهم وفي مدخل البنك فجأة وجد رفيقه العجمي واقفا مستندا على عصا وقد كبر سنه ونحل جسده وضعف بصره تقدم إليه قائلا ما حالك يا رجل _ أريد مساعدة فأنا من ليلة البارحة لم آكل طعاما_ رق لحاله وأخذه وأركبه معه في سيارته وتوجه به إلى مطعم في أحد فنادقه وبعد أن أكل وشبع طلب منه أن يرافقه إلى استشاري العيون للكشف على عينيه فقد يحتاج إلى عملية بسيطة _ ولم تفعل هذا وأنت لا تعرفني _ أنا فاعل خير _ ليكن ذلك _
توكلنا على الله_ دخلا المستشفى وأدخله على استشاري العيون وبعد فحصه وتشخيصه أشار الطبيب إلى حاجته العاجلة لعملية جراحية في عينيه لوجود مياه بيضاء فطلب منه أن يقوم بإجراء العملية وأعطى رقم تليفونه للطبيب وقال له حال شفاء مريضي اتصل علي ، بعد اسبوعين تلقى اتصالاً من الطبيب وذهب للمستشفى ودخل على رفيقه في غرفته وحين رآه محمد العجمي صرخ صرخة قوية عامر واحتضنه وأجهش بالبكاء وبدأ يقدم الاعتذارات لكن عامر طلب منه أن يهدأ ويجلس ثم قال له لا عليك “ي عامر” فالفضل لله ثم لك فقد كنت مكلفا بمهمة لتوصلني إلى هذا المكان لرزق كتبه الله لي فيه و الحمد لله فأنا في خير كثير. هدأ العجمي وزال عنه الحرج ثم أردف عامر قائلا: اسمع يا أخي لقد أمضيت في هذا البلد خمسة وثلاثين عاماً بالتمام ولقد قررت أن
أقوم بزيارة لأهلي نهاية هذا الأسبوع لأطمئن على أحوالهم و آخذ بهم العهد، وبالنسبة لك لم يعد من المناسب أن تكون بعيداً عن أهلك؛ وأنت في هذه السن الكبيرة، وهذه الظروف الصحية السيئة والحالة المادية الصعبة ؛ فأنت بحاجة لرعاية دائمة، ولابد أن تكون تحت نظر أهلك، لذا سأقوم بتحسين وضعك حال وصولنا بإذن الله… اتفقنا؟ ….توكلنا على الله…