ليس خافياً على أحد ذلك المد المتشدد الذي زحف على تعليمنا فترة الثمانينيات والتسعينيات الميلادية, وما نتج عنه من عقول مغيبة تماماً, قامت باقتراف الكثير من الأفعال غير المحسوبة والتي نزف الوطن على إثرها دماءً غالية.
تلك الأفكار تطفو على السطح بين حين وآخر, إذ إنها لا تستطيع كتمان مكنونها, ولعل الحقل التعليمي هو الأكثر تأثراً بها, ومن الطبيعي أن نقول إن من تمكنت منهم أفكار التطرف والغلو هم نتاج بيئاتنا التعليمية في فترات مضت ومخرجات تربيتها, فقد تلقنوا أفكار التطرف وكميات هائلة من تنظيرات تنم عن تفسيرٍ خاطئٍ للدين الإسلامي الحنيف, وكان من نتائجها المؤسفة انجراف مجموعات من العقول عن الحق, ذلك الأمر كان مكلفاً للوطن على مستوياتٍ متعددة.
ففي الأيام الماضية وحينما كان يحتفل التعليم في عسير بتدشينه مشروعاتٍ تربوية تطويرية, ولأن الكرنفال الاحتفالي يتطلب عملاً احتفائياً ومهرجاناً متميزاً, حيث إن أمير المنطقة سيكون الراعي له, فقد كان من ضمن فقرات حفل التدشين فقرة إنشادية تؤديها مجموعة من طالبات الروضة أعمارهن ما بين الخامسة والسادسة جنباً إلى جنب مع تلامذة المرحلة الابتدائية بمصاحبة معزوفاتٍ موسيقية إنشادية ملائمة للحدث, هنا تحركت مياه الفكر المتطرف والمتشدد.
و كان الهدف منها استثارة العاطفة الدينية ضد مدير التعليم في عسير متجاوزة في ذلك كل الحدود الممكن فهمها, فقد وصف الرجل بأوصافٍ خارجة عن إطار الذوق العام والأدب في الحوار والحديث, وصفوه بأنه مرتكبٌ للمخالفة الشرعية, ويقصدون بذلك الغناء والموسيقى وما يصاحبهما من اختلاطٍ, ولا أعلم أي نوعٍ من الاختلاط يقصدون, وإن كنت أظنهم يقصدون نوعاً جديداً اسمه (اختلاط الصغيرات), هذا الأمر غير الأخلاقي والهجوم الشرس ما هو إلا نتاج لترسبات تلك الأفكار, فمازال الفكر المتشدد عند البعض.
هذا الأمر الذي يُفسِّر السرّ وراء محاولات شحن المجتمع من خلال استخدام العاطفة الدينية وانتخائها لدى المجتمع.
على أية حال فإنه لابد من التنبيه على أن أفكار التشدد مازالت كامنة في بعض مؤسساتنا التعليمية, ومن المهم أن يتم العمل على إذابتها والقضاء على أي بيئة تمكنها من الحياة والتكاثر, لأجل أن نتمكن من بناء مجتمع يؤمن بالوسطية والتسامح ويشكلُ رافداً قوياً من روافد التنمية البشرية. >
شاهد أيضاً
الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة
صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل : انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …