أدباء عسير وفن القصّة: الجيل الثاني

ظهر الجيلُ الأوّل من كتّاب القصّة الفنية في منطقة عسير بعد سنة 1390هـ, والثاني بعد الأستاذ محمد الحميّد، وهم: محمد علي علوان, وتركي محمد العسيري, والدكتور حسن محمد النعمي, وكانَ محمّد علوان أسبقهم إلى النشر في الصحافة, وإلى طباعة مجموعةٍ قصصيّة بعنوان: “الخبز والصمت”, حيث صَدرتْ سنة 1397هـ, وكتبَ مقدّمتَها الأديبُ المصريُّ يحيى حقّي, الذي لم يكن يعرف الكاتب معرفةً شخصيّة, ممّا منحَ هذه المجموعة اهتمامَ الباحثين في القصّة السعوديّة عبر السنوات اللاحقة, فكانت من المجموعات التي اعتمد عليها الدارسون الأوائل في القصّة السعوديّة, من أمثال: الدكتور منصور الحازمي في كتابه: “فنّ القصّة في الأدب السعوديّ الحديث”, والدكتور نصر محمد عبّاس في دراسته للبناء الفنّي في القصّة السعوديّة, واتصلَ الاهتمامُ بها في العديد من الدراسات المحلّية والعربيّة التي تهتمّ بأثر المكانِ في الفنّ, إذ كان أثرُ البيئة العسيريّة ظاهراً عند علوان في هذه المجموعة, وفي مجموعتيه اللاحقتين, واستمرّ معهُ في مجموعته التي صدرتْ سنة 1419هـ بعنوان: “دامسة”, التي وصفَها ممدوح القديري بقوله: “تتكوّن مجموعة الأستاذ محمد علوان القصصيّة من عشر قصص تدور في فلك الواقع, وعميقاً في البيئة المحلّية التي اهتمّ بها وبحياة النّاس في المجتمع الذي يعيش فيه وبين ظهرانيه, فذكَر الجبال والوديان والتنّور والسويق وشرب الشاي ونار الفرن وطعم العسل”, بينما لم يتنبّه لهذا الأديب يحيى حقّي في مقدّمته على المجموعة.

أمّا تركي العسيري فلم ينشر كتاباته القصصيّة سنة 1397هـ بجريدة الجزيرة, ولم يصدر مجموعته القصصيّة: “من أوراق جمّاح السرّيّة” إلا سنة 1410هـ, وتمتازُ بالجرأة في تناول بعض الموضوعات, مثل: الطبقيّة الاجتماعيّة في قصة: “الفجيعة”, والحبّ في قصّة: “شريفة الأحول تهرب”, التي تختلفُ عن غيرها في تقنياتها نتيجة هروب البطلة.

ولئن كان محمد علوان, وتركي العسيري قد نالا شيئاً من اهتمام الباحثين لريادتهما, وإبداعمها في الفنّ القصصيِّ, فإنّ ثالثَ هذا الجيل, وهو الدكتور حسن محمد النعمي, قد نال اهتماماً مماثلاً لأنّه استطاع مضاعفة أسباب صلته بهذا الفنّ من خلال الموازنة بين جانبين, هما: ممارسة كتابة القصّة بوصفِه قاصّاً, ودراستها بوصفه باحثاً متخصّصاً, والواقع أنّ د.حسن النعمي استطاع أن يحقِّق التوازن الدقيق بين كتابة القصّة والممارسة النقديّة وبين الثقافة التراثيّة العربيّة والثقافة الغربيّة وانجازاتها للنظريّات الأدبية الحديثة واستيعابه لها”, وهو متأخّرٌ – زمنيّاً – عن تركي العسيري في تاريخ بدء الكتابة القصصيّة, فلم يكتبها إلا سنة 1399هـ, لكنّه سابقٌ عليه في إصدار المجموعات القصصيّة بنحو ستّ سنوات, حيث صدرتْ مجموعتُه: “زمن العشق الصّاخب” سنة 1404هـ, وتضمُّ عشر قصص, يستلهم فيها –كمحمد علوان , وتركي العسيري- البيئةَ المحلّيّة في عسير, وماطرأ عليها من تحوّلات, وذلك جليٌّ في قصص: “زمن العشق الصاخب”, و “فصول من رحلة التّعب”, و “البوح بأسرارِ الكآبة” التي يتكيءُ فيها على أسطورةٍ شعبيّةٍ عسيريّة حول أبواب الرزق, ليتّصلَ أسلوبُهُ في مجموعته الثانية: “آخر ماجاء في التأويل القرويّ” التي صدرتْ سنة 1407هـ, ويزدانَ بلغةٍ شعريّة, لكنّه لايبتعد عن بيئتِه حتّى في عنوانات القصص, وتصبحَ القصّةُ تعبيراً عن قضيّة في مجموعتِه الثالثة: “حدّثَ كثيبٌ قال”, التي صدرتْ سنة 1420هـ.

ويخلص المُتأملُ إلى أنّ عناصر البيئة المحلّية تكادُ تكون محوراً مشتركاً بين الجيل الثّاني من كتّاب القصّة في عسير, وأنّ هؤلاء الثلاثة كانوا أهلَ دورٍ مهمٍّ في رسم ملامحِ القصّة السعوديّة عبر مايزيد على ربع قرن.

*إعلامي وأديب.وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد>

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com