صرخة مدوّية في وجه حوار المذاهب الإسلامية التي حاولَ تطبيقها وتمثَيلَها وتجريبها سلفيّكم الطّيب، يطلقها جهابذة (المنهج الخفي) الذي لم يتحمل حوار أي مذهب بل ويرفضها أصلا، حيث ترتعد منه الفرائص أمام ما هو آتٍ من حوار الأديان والحضارات التي تقتضي احترام الآخر، وتقتضي -بحكم الزمن- استبدال بفتوح السيف والخيل فتوح العقل والعلم والإقناع واحترام حقوق البشر واختياراتهم وتاريخهم وعدم خلط الدين بالتقاليد والأعراف.. تلكم الصرخة لم تكن سوى اختبار صغير لمدى تقبلنا واستيعابنا مفهوم الحوارات التي أطلقتها القيادة أمام العالم، فمنْ أطلقَ الصرخة الخفيّة تلكم على من تحدث عن قصة سلفيّ سرد ما رآه في بلد إسلامي، وتحدّث بسرده عن رأي شخصي في المقارنة بين سلفيته وقناعات أولئك؟ ومن هو السلفيّ الأصدق في السلفيين، أهو أسامة بن لادن السلفي ومن يشايعه، أم علمانيو تركيا ونهضويو تونس المسلمون؟ أم إخوان مصر والشام القادمون؟ وهل القناعات الأدبية الشخصية لا تزال محتاجةً إلى حمايات رسمية للحفاظ على نوعها من طرف مُسْتَقوٍ واحد؟ في نفس الوقت الذي نرى فيه شدة المعارك على الفتوى التي يجب ألا تكون حكرا وإرثا تاريخياًّ لمكانٍ -ما- دون آخر من بلاد الله الواسعة، بل يجب أن تكون مؤسستها إسلامية فقهية كبرى لا تخضع لثقافة المكان، لأنها عملية تشريعية كونية لابدَّ أن تتحرر من انطلاقها من مفهوم العادات والتقاليد التراكمية المكانية، حتى نستطيع مسايرة عالمية الدين بعيداً عن المفهوم المصطلحي المضحك الذي رسَّخَ بأنّ المسلمين هم (من أطاعني ووافقني) فقط، أو أنهم من بلدةٍ دونَ أخرى داخل الإقليم الواحد!
كان هذا شيئا مماَّ فهمه السلفيّ من إطلاق الحوارات الوطنية والعالمية على يدي قيادة بلده، فجربَ لأهله تجربة حوارية سرديَّة عن سلفيٍّ عرفَهُ ورآه واقَفا أمام صوفيَّة إسلامية لا يهمه صحتها من عدم ذلك بمقدار ما حاول احترام أهلها.. هذه الحوارية رجعتْ على أعقابها أمام رفض الحوار وإسكاته!
أتى سلفينا آيبا تائبا عن الحوار، ما لم يستطع (مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني) التأكيد بأن (حرَّانَ) أو (حروراء) وما تابعهما ليستْ مكةَ ولا المدينة، وأن أيام المغول وفتاواها العظيمة في وقتها ليستْ قرآنا، وأن الدين ليس قومياًّ ولا عروبياً ولا حكرا ولا تسلطياً.
ويعلنُ السلفي اعترافه بأن الجهات الرسمية -خلال تجربته تلكم- كانتْ رائعةً رائدةً في التعامل مع تجربته في (حوار المذاهب) من خلال سرديّته تلكم، أما تقنية استخدامها للتجديد في طواقم صحيفة -ما- فهي تقنية يجهلها سلفيُّكم ولا يستطيع تفسيرها وليس من شأنه، ولا يضع سرديَّته تلكم سببا مقنعا لهذا، فما يراه من شؤونه هو: أن يعلنَ أنه لمْ يُضايَقْ من جهةٍ رسمية في رأي رآه بما فيه تلكم السردية التي كان يريد الاستمرار فيما وراءها تماشيا مع زمن الحوارات. وهذه ظاهرة يَحْتَفِي بها سلفيّكم لوطنٍ يستحق حرِّية الرأي ويتحملها على المستوى الرسمي وليس مهما تلكم المسافة الطويلة بين الرسمي والشّعبي في تقدّمية الفكر، ولا كثرة مفتي القرى البسطاء التابعين، فهم مجرّدُ أبرياء يوظّفون ضدّ وطنهم دون علم، لذا قولوا معي (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) وعليكم بها كلما جهل الجاهلون.. أما إيقاف راوي السلفيّ عن الكتابة في صحيفة، فهو شأن يخص المؤسسة -لأسبابها الخاصة التي راعتها لجهات ما- ولا تتحمَله جهة رسمية حسب علمي.. ولهذا آبَ السلفيّ إليكم معلنا هذا، وتائبا عن الحوار ما دام الزمن -على غير عادته- يقف هنا عند ذكر ووصف من يختلف معنا من أهل مذاهبنا الكثيرة في ديننا، فضلا عن الأديان والحضارات!
آبَ سلفيُّكم لأنكم تعلمون أنه الأرض التي لا بد منها، وذهبَ -آنذاكم- أحبَّة لأنهم آمنوا أن أيَّ ظلامٍ يعني انبلاجَ نور، وجاء أحبة يدركون نورانية الزمن، ومتعة الفكر، وأن قوالب الحضارة والتفكير المحنَّطة الجاهزة لا تسمن ولا تغني من جوع إذا الفكر النوويّ (غير المجغرف بمساحة ما) لم يكنْ ربَّها وقلبَها.
موجزُ التَّرَّة:
سمعَ عن إطلاق دعوة (حوار الأديان والحضارات)، فتَرّ -ببراءة- يحاولُ البدءَ بحوار المذاهبِ داخلَ دينه واستجلائها، عله يصلُ بعدها إلى مفهوم لحوار الأديان، فرفض بعض أهله (بمنهج خفيّ) حوار مذاهبهم وحبسوا قلمه عامين كاملين، فآبَ إليهم لائذا بالصمتِ دون حوار، حتى بزغتْ شمس (الشّرق) التي قرر ربانها أنها صحيفة لكل الوطن الذي يجمع بثرائه كل مناهج التفكير في الدين والسياسة والثقافة والمجتمع، وكتب القدر أن تكون أوبة السلفيّ عبر صدرها الرحب، علّ زمن المناهج الخفية قد ولّى أو سيُولّى إلى غير رجعة.>
شاهد أيضاً
مجلس الشورى يعقد جلسته العادية الخامسة من أعمال السنة الثانية للدورة التاسعة
صحيفة عسير ــ واس عقد مجلس الشورى اليوم الاثنين، جلسته العادية الخامسة من أعمال السنة …
عسير صحيفة عسير الإلكترونية